الأستاذ الحوماني أديب لبناني جمع إلى أدبه الفياض وشعره الرصين وحديثه الطلي، سرعة الخاطر ودقة التعبير وسلامة الأسلوب، وهو عربي يعتز بعروبته ووطنيته. بدأ حياته مجاهداً ضد الاستعمار الفرنسي - وهو ما يزال في مقتبل العمر وفي فجر الحياة، غض الإهاب لين العود - فأحيل إلى المجلس التأديبي، ولكنه لم يستخذ ولم يستسلم، ففر إلى شرق الأردن حيث أخرج ديوان الحوماني (سنة ١٩٢٦)، وديوان نقد السائس والمسوس (سنة ١٩٢٨).
ومنذ ذلك الحين اضطربت به نوازع الحياة ودوافع السياسة، فأخذ يتنقل بين وطنه (الشرق العربي كله) وبين المهجرين الأمريكي والأفريقي. وكان في كل بلد يصل حبله بقادة الرأي وزعماء السياسة وأهل الفكر يبادلهم الحديث ويناقشهم الخاطرة، وتفجر الحديث - في هذه المجالس - فنوناً، وتفتق عن أبحاث قيمة ناضجة في الأدب والعالم السياسة والاجتماع والفن. فهو - من ناحية - يتحدث عن الموسيقى حديثاً عبقرياً فيقول:(الموسيقى هي واحد من هذه الأشياء التي لا تستطيع التعبير عنها بأكثر من أنها لغة تخاطب الروح مباشرة دون ما رمز من إشارة أو تصوير. أما الموسيقى، الموسيقى العبقرية، فإن الروح تتناولها من يد العازف على رنة الوتر دون ما جهد أو إعنات، وتعليل هذه الهزة الروحية التي يتأثر بها السامع وهو يصغي إلى توقيع الفنان يكاد يعجز بيان الفكر الحاذق). وهو - من ناحية أخرى - يتحدث عن الدين:(فالعروبة في أي زمن تستهدف للزوال إذا لم يعضدها الدين. . .).
هذه المجالس، وهذه الأحاديث، عمل صحفي جليل لا عجب إن قام به المؤلف، وهو صاحب مجلة (العروبة) اللبنانية. ولقد ضمنها كتاب (مع الناس)، وهو كتاب فيه ألف فكرة لألف رجل، وللمؤلف فكرة واحدة هي إيمانه بقول سيد العرب (ص): (لا يصلح آخر هذه