المشهور بيننا أن المسلمين لما انتهوا من غزوة بدر اختلفوا في شأن من أسروه من المشركين، فرأى فريق قتلهم، ورأى فريق أخذ الفداء منهم، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ليشاورهم فيما يفعله مع أولئك الأسرى، وكان يأخذ بالشورى في أموره، ليعلم أصحابه الأخذ بها، وإن كان هو غنياً عنها، لآن من يكون معه وحي السماء، لا يحتاج إلى رأي أهل الأرض، وهو عرضة للخطأ والصواب.
فجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال لهم: ما تقولون في هؤلاء؟ (يعني الأسرى)، فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، قومك واهلك، استبقهم واستأن بهم، لعل الله أن يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار.
وقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، كذبوك وأخرجوك فدعهم نضرب أعناقهم. مكّن عليا من عقيل (أخيه) فيضرب عنقه. ومكن حمزة من العباس (أخيه) فيضرب عنقه. ومكنِّي من فلان (نسيب لعمر) فأضرب عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر!
وقال عبد الله بن رَواحةَ الشاعر المعروف: يا رسول الله، أنظر واديا كثير الحطب، فأدخلهم فيه، ثم أضرمه عليهم نارا. . . وهو رأي يتفق مع طبيعة الشعراء في تأثرهم بالعاطفة أكثر من العقل، وشأن العاطفة المغالاة في الحب والبغض، وشأن العقل الاعتدال فيهما.
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم، ثم تركهم ودخل، فقال ناس من أهل المجلس: يأخذ بقول أبي بكر. وقال ناس منهم: يأخذ بقول عمر. وقال آخرون: يأخذ بقول عبد الله ابن رواحة. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله لَيُلينُ قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، ويشد قلوب رجال حتى تكون أشدّ من الحجارة. وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم، قال:(فَمنْ تَبعنِي فانه مِني، ومَن عصاني فانك غفورٌ رحيم). ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى، قال:(إنْ تُعذِّبهمْ فانهم عِبَادُكَ، وإن تَغفرْ لهم فإنك أنت العزيز الحكيم). ومثلك يا عمر مثل نوح، قال:(ربِّ لا تذَرْ عَلَى الأرض من الكافرين دَيّاراً). ومثلك يا عبد الله بن رواحة كمثل موسى، قال: (رَبَّنا اطمسْ على أموالهمْ واشدُدْ على