أنني (وإن لم أتشرف بمعرفتك) أمت إليك بصلة الرحم. فأنا من صغار أسرة أنت من كبارها. ولي عليك حق الصغير على الكبير. يسأله ويفيد منه. ويلح في هذا السؤال ويناقش من أجل هذه الفائدة. ويكون فيسؤاله ومناقشته واقفاً عند حد الأدب، متنكباً سبيل التكلف و (الرسميات).
أفتأذن لي في ذلك:
إذن فأخبرني يا سيدي. هل تنشر الآثار الأدبية، إذ تنشرها في رسالتك، لأنها وافقت خطة معروفة اختطتها لنفسها الرسالة في الأدب، وطريقة معينة اتخذتها، أم أنت تنشر كل جيد يبعث به اليك، ولا تبالي منه إلا بشرف القول، وحسن الأداء، والبلاغة في التعبير عن الغرض. وهل تفعل هذا إلى أمد قريب ثم تطلع على الناس بخطتك الأدبية، وتحمل كتابك عليها، أم أنت تفعله أبدا؟ ثم ألا ترى يا سيدي أن الأديب العربي قد شب ولم يعد طفلا يدلل ويرقص، ويكون له عند أهله بكل خطوة حظوة وأن الإيمان به قد خالط قلوب الأدباء. فلم يعودوا من المؤلفة قلوبهم الذين يسترضون ويعطون لئلا يجنحوا إلى الردة بعد الايمان؟ وأن من مصلحة هذا الأدب، بل من الواجب فيه أن يتفق طائفة من شيوخه وقادته على مذهب واحد فيه. ثم يعلنوا هذا المذهب للناس. ليتبعوه ويؤثروه؟
ومذاهب الأدب كثيرة. ولكنا منها بين اثنين: مذهب (الأدب للفن) ومذهب (الأدب للحياة):
أنعمل وغايتنا (الجمال الفني) وحده. وسواء لدينا أكان هذا الجمال في قطعة ماجنة، أم في قصيدة شعوبية، أم في مقالة ملحدة؟ وسواء لدينا أكانت القطعة الجميلة تصور آلام النفس وآمالها. وصور الحياة وأشكالها، فتصدق في هذا التصوير. أم (تخلق) من نفس صاحبها دنيا غير هذه الدنيا وعالما غير هذا العالم؟
أم نعمل وغايتنا تسخير الأدب للقضية الكبرى، واتخاذه عدة على تحقيقها، ووسيلة من وسائل الإصلاح الأخلاقي والسياسي والاجتماعي. وبالعبارة الثانية وسيلة إلى الحياة؟
ثم. . ألا ترى يا سيدي أن هناك حقيقة أسمى من الحقيقة الفنية. . وواجبا أعلى من واجب