آه، يا صاحبي، لقد خرجت من لدن سعادة البك بعد أن سامك الاحتقار والمهانة، وبعد أن سفه رأيك وازدرى عقلك، وبعد أن قذف بك إلى خارج الدار ليحول بينك وبين أن تعبث بكرامة ابنته الشابة، أو أن تلوث شرفها.
خرجت وفي قلبك أسى ولوعة، وفي نفسك هم وضيق. . . فلشدَّ ما آذاك ما رأيت من إباء الفتاة المصرية ومن ترفعها! ولشد ما أزعجك ما لمست من كبرياء الأب المصري ومن صلفه! ولشد ما أفزعك ما أحسست من صلابة الأسرة المصرية ومن تماسكها! وحز في نفسك أن يفلت الطائر الجميل من بين يديك بعد أن ظفرت به، فيطير معه أمل عقدته على جمال الفتاة وعلى جاه الأب وعلى ثراء الأسرة.
وحاولت أن تداري خيبة أملك خلف ستار من الكذب والرياء، فذهبت تحقد على الفتاة المصرية وتتهمها بألوان من النقائض، وتقذفها بفنون من الافتراء، لأنها استعصت على خداعك الوضيع، وتمنعت على أساليبك الثعلبية، وضنت بشرفها أن تعبث به يد، وصانت كبرياءها على أن تنحط إلى أسفل.
وقلت لي - ذات مرة -: (إن الفتاة المصرية إنسانة ضعيفة العقل، خاوية الذهن، واهية الخلق، سقيمة الفكر، تنزعج لكل صوت، وتفزع من كل نأمة، وتضطرب لكل حادثة. يلذ لها - دائماً - أن تعيش على حيد الحياة، بعيدة عن نور المدنية لأنه يعشى بصرها، وفي منأى عن دوافع العيش لأنها تصعق أعصابها.
هذا هو تاريخها - تاريخ العزلة والإهمال - يتدفق في عروقها دماً قذراً تافهاً، وهي لا تستطيع أن تنهض بعمل ولا تصبر على مسئولية. وإن تعلمت أضافت سخفاً إلى سخف فيها، وضمت سفهاً إلى سفه، وجمعت بلاهة إلى بلاهة، فهي تتحدث بلسان العلم حديثاً فيه السخف والسفه والبلاهة جميعاً، وهي. . .)