هذا العنوان من ابتداع الأديب حسين فهمي صادق، وقد نَصّ في خطابه على أنه يَعني به الأزهر وجامعتي فؤاد وفاروق، وهو يسأل عن جوهر الحياة العلمية والأدبية في هذه الجامعات الثلاث، ويطلب أن (تُظهِر شيئاً يعلن عن نفسه على رءوس الأشهاد)
ومن قبل هذا الخطاب قرأت في مجلة الصباح مقالاً يسألني فيه الأستاذ عبد الحليم عبد البر عما صنع الأزهر وما صنعت دار العلوم في تخريج الأدباء، وكان من رأيه أن دار العلوم لم تخرج في ستين سنة ستين أديباً وأن الأزهر لم يخرج في ألف سنة ألف أديب (؟!)
وأقول إن الفكرة الجامعية لم تُشرح في مصر على الوجه الصحيح، ففي مصر أقوامٌ يتوهمون أن محصول الجامعة هو محصول مدرسيها في النواحي العلمية والأدبية، وهذا خطأ، لأن أساتذة الجامعات لهم صفةٌ غير صفة التأليف، هم يوجّهون ولا يُبدعون، إلا أن يكون فيهم رجالٌ مفطورون على الإبداع
الأستاذ في الجامعة لا يطاَلب بالمساهمة العلنية في نشر الثقافة العلمية والأدبية، وإنما يُسأل عن الصدق في توجيه الطلاب إلى فهم دقائق العلم الذي تخصص فيه، ومن حقه أن يتَسم بالخمول على أنه تشريف، ومن واجب الدولة أن تثيبه عليه، حين يصح عندها أنه خمول لا خمود
الأستاذ في الجامعة مسئول عن رعاية الأستاذية، والأستاذية نشأت في جوّ الرهبانية، فما يجوز له ما يجوز لسائر الرجال من مسايرة المجتمع في جميع الأحوال، إلا أن يكون فيلسوفاً يأخذ مادته الفلسفية من درس الأحلام والأهواء والأضاليل، وهذا نموذج لا يوجد في كل يوم، وإنما تُبدعه الأقدار من حين إلى أحايين
لأساتذة الجامعة واجبات نرجو أن يعرفها تلاميذهم على النحو الذي نريد، وتلك الواجبات ترجع في جملتها إلى خصيصة أساسية، هي الفناء المطلق في الدرس والبحث والتنقيب، ولو انتهى الأمر إلى أن يعيشوا مجهولين
فإن لم يكن بدٌّ من أن تتعرف الجامعة إلى الجمهور فذلك واجب الخِرّيجين، لا واجب المدرسين. وإليكم الشواهد الآتية: