ولكل لغة من اللغات المتمدنة عبقرية تستكنّ في طرق الأداء وتنوع الصور وتلاؤم الألفاظ؛ وهذه العبقرية لا تدرَك إلا بالذوق؛ والذوق لا يُعَلَّم، وإنما يكتسب بمخالطة الصفوة المختارة من رجال الأدب، ومطالعة الروائع العالمية لعباقرة الفن. واطلاع الكاتب على النماذج الرفيعة من البيان الخالد يرهف ذوقه، ويوسع أُفقه، ويريِه كيف تؤدى المعاني الدقيقة، وتحيي الكلمات الميتة
ولقد علمتَ أن الجاحظ والبديع والخوارزمي في الكتّاب، وأبا نواس وأبا تمام وأبا العلاء في الشعراء، كانوا مضرب المثل في كثرة القراءة وسعة الحفظ. وكان فلويير لا يقع في يده كتاب إلا استوعبه. ولم يعالج روسو الكتابة إلا بعد أن حفظ مونتيني وبلوتارك. وبوسويه كان يحمل على ظهر قلبه التوراة وأحاديث الرسل ومواعظ الأحبار. وقد اعترف شاتوبريان بأنه كان يدمن قراءة برنار دي سان بيير. فإذا كان هؤلاء العباقرة قد رأوا أن الاستمرار على دراسة الروائع الأدبية ضروري لضمان الخلود، فإنه ولا ريب يكون لذوي القرائح الناشئة ضرورياً لاستكمال الوجود