وسألقي عليك بعض الأسئلة لتعلم من أجوبتك عنها إن كنت موهوباً أو غير موهوب:
هل يتأثر خيالك في يسر ويتحرك فؤادك في سهولة، ثم يكون بين الخيال والقلب تجاوب سريع؟ هل تجد لأذنك الحساسية الرهيفة لانسجام الألفاظ وازدواج الفِقر وإيقاع التراكيب؟ هل يملك مشاعرك جمال البلاغة في روائع الشعر والنثر؟ هل تحس في نفسك السمو إذا حَمَّسها الاطلاع على النماذج الرفيعة من البلاغة فتتحرك للمنافسة والمباراة؟ هل تشعر حين يتجه فكرك إلى موضوعٍ ما أن فكرته الجوهرية الأولية لا تلبث في ذهنك أن تحيا وتنمو، ثم تتشكل وتتلون، ثم تتوالد وتنتشر؟ هل تشعر بالحاجة الملحة والتوَقان الشديد إلى الإنتاج الناشئ عن فيض القريحة وحرارة الفكر؟ هل يسهل عليك إدراك العلاقة بين الأفكار المجردة والموضوعات المحسَّة فتخرجها في الصور المقبولة والألوان المناسبة؟ هل تتمثل المعاني في ذهنك من تلقاء نفسها على أفضل الوجوه الصالحة للتعبير والتصوير؟ هل تحس حين تفكر في موضوع شعري أن العواطف تنثال على نفسك ثم تتزاحم وتتدافع طالبة الانبثاق والتدفق؟
إن كانت أجوبتك عن هذه الأسئلة بنعم، فتعال ننظر معاً في الآلة الأخرى للبلاغة فإنه لا مندوحة لك عنها إذا شئت أن تستغل ما وهبك الله من قريحة خصبة وملكة مواتية
آلة البلاغة الأخرى هي العلم بمعناه الأعم، أو المعرفة بمدلولها الأشمل. فالكاتب، إذا كان ناقص العلم أو قليل الإطلاع، يدركه الجفاف والنضوب فلا يكون في آخر أمره إلا سارد ألفاظ ومقطّع جمل. ذلك أن معارف الكاتب هي منابع إنتاجه. وألوان المعرفة له كألوان التصوير للمصور يجب أن تكون كلها على اللوحة قبل أن يقبض على الريشة. والمعارف لا تستفاد إلا بمواصلة الدرس وإدمان القراءة.
وأقل ما يجب على طالب البلاغة درسه، هو اللغة والطبيعة، والنفس
أما اللغة فلأنها أداة القول والكتابة. وللثقافة العامة منها قدر مشترك يجب تحصيله على كل مثقف؛ ولكن الكاتب أو الشاعر محتوم عليه أن يدرسها دراسة خاصة: يتضلع من مادتها، ويتعمق في فقهها، ويتبسط في أدبها، ويحيط بعلومها، ويوغل ما استطاع في استبطان أسرارها، واستقراء أطوارها، حتى تكون للسانة وقلمه أطوع من الشمع ليد المثّال الماهر. ومن زعم أن النحو والعروض وسائر علوم اللسان لا ينبغي حذقها لغير الأزهريين فهو