تصدر الرسالة والأسى لا يزال يرمض القلوب على حافظ وشوقي. ولئن رمت المنون لسانيهما الذليقين بالصمت الأبدي، فقد تركت حظيهما يتنازعان الذكر على ألسن الناس. وكان حظ شوقي في مماته كما كان في حياته شديد السطوع قوي البهر فكسف حظ أخيه! وكاد حافظ البائس يضيع في شوقي المجدود كما ضاع موت المنفلوطي في موت سعد!
كان لشوقي المأتم الحافل، والتأبين الفخم، والوفود تترى، والحفلات تقام، والمراثي تفيض بها الصحف، والحكومة تطبع كل ذلك بالطابع الرسمي، فتزيده أبهة وروعة! وكان لحافظ المأتم المتواضع، والجنازة الصامتة، والتأبين الموعود، وأصدقاء خلص يئنون في كل حين أنة، ثم يتركونها تتلاشى كما يتلاشى الرجع البعيد!!
الزعامة والشعر
خلا ميدان الشعر فجأة من قائديه العظيمين فحدث في صفوف الشعراء اضطراب وفوضى! وقام في (السقيفة) المقلدون والمجددون يقولون: منا أمير ومنكم أمير! وهناك أرسل الدكتور طه حسين حُكمه المعروف فزاد الخلاف شدة والجدال حدة! قضى للعراق بأمارة الشعر التقليدي. فغضبت مصر! وكان الأستاذ الهراوي أشد المصريين حنقاً وأعنفهم خصومة. فهو يقول في إستنكار وأنفة. إنه بايع الشاعرين، مبايعة علي للشيخين! ثم ينشد في ذلك أبياتاً فيها معارضة وفيها شدة وفيها جمال، وينتهي إلى أن هذا الحُكم قد أخزى مصر وقضى على نهضة الشعر!! ثم يعود فيستطرد إلى لوم الناقدين والمجددين، وينعى على وزارة المعارف إنصرافِها عن تعضيد الشعر، ويقترح عليها، والله أن تنشئ في ديوانها قلماً يسمى قلم الشُعراء تحمل عنهم فيه أكلاف العيش، وتغلق عليهم باب الغرفة، ثم تقول لهم: قولوا شعراً! ونسي صديقنا الهراوي أن يطلب إلى الوزارة أن تزود كل شاعر بسبحة يعد عليها أبيات الشعر، كما يعد صوفيو التكية كلمات الذكر!!
أما شعراء الشباب الذين لا يجرون على أسلوب الهراوي والزين والكاشف ومحرم ونسيم؛