وبعد هذه المقابلة تغيرت (نانو) علي، فراحت تبخل بابتساماتها الغراء، وباتت تقتصد بنظراتها العرجاء. . . لقد أصبحت (نانو) تتيه علي، وكان تيهها ذا معنى خاص لم أستطع فهمه!. . . أتراها حسبت أني موله بثغرها الأدرد؟. . أم تراها ظنت أني مدله بوجهها الأجعد!. . هذا مستحيل!. . إن للحب دائرة موصدة في أوجه الشياطين!. . . إن في الحب نفحة سماوية لا يدركها أولئك الذين التصقوا بالأرض فلم يتجهوا بأعينهم إلى السماء ليبصروا ما أبدع الله فيها من جمال!. . إن في الحب وقف على القلوب الزاخرة بالحياة، الشاعرة بجمال الوجود؛ أما (نانو) فإنها بعيدة عن الحياة. . . بعيدة عن الحب. . . إن الحب ليلفظها لفظ النواة!. . إذاً ما بالها تتيه علي؟. . هذا سر مستغلق!. . وما أكثر ما يستغلق على المرء من أسرار!.
ما (نانو) ومالي!. . إنها وسيلة غير صالحة للوصول إلى آنستي. وقد بقيت يومين أفكر، لم أذق خلالهما طعاماً ولم أرق في فمي شراباً. وكان من نتيجة تفكيري أني عولت على أن أكتب إلى آنستي رسالة أشرح فيها حبي وقمت إلى مكتبتي وأمسكت بالقلم وأخذت أشرح ما يخاطرني من أشواق. ثم ختمت الرسالة بالكلمة التالية:(أي آنستي!. . . إني لأرجو منك أن تعلميني رأيك صريحاً. . . فإما قبول أنعم فيه بعطفك، وإما رفض يبرئني من حبك. . . وإني لأنتظر كلمتك الفاصلة آملاً أن ألقاها غداً معلقة في مصراع الشباك. . .)
ولم تكد شمس الغد تطلع حتى كنت أمام المنزل أنتظر. وبعد فترة وجيزة بصرت بالقطة الحبيبة تمد رأسها من الباب، فلوحت لها بقطعة لحم كنت أحضرتها من السوق، ولم تكد تراها حتى عدت نحوي فأمسكتها بيدي وربطت الرسالة في عنقها وتركتها تعود أدراجها.
ولما كان الغد دلفت إلى المنزل وأنا أقدم رجلاً وأؤخر رجلاً. لقد كان قلبي يخفق هلعاً، وكانت عيناي تتشوقان وكأنهما تتحريان شيئاً مضاعاً. وكان ذهني غارقاً في التفكير أي