غلطة هذه الغلطة التي ارتكبتها؟ وأي حماقة هذه الحماقة التي أتيتها؟. وهل ثمت أكثر جنوناً من فتى يسلم سره إلى قطة!؟ إن كل ما كنت أخشاه هو أن تكون الرسالة قد وقعت في يد غيرها فينفضح الأمر، ويطلع الأهل على السر.
وما كدت أدنو من المنزل حتى لمحت قطعة من الورق معلقة في النافذة، ومددت يدي المرتجفة فأخذتها وفتحتها وقرأتها!. . يا للسعادة!. . . إنها من آنستي. . . آنستي الحبيبة. . . يا للعجب إنها تدعوني لمقابلتها بعد منتصف الليل في بيتها!. هذا لا يكاد يصدق. . . يا لله!. . أتراني في اليقظة أم في المنام!. . ماذا أصابها فبدلها؟. . وماذا عراها فغيرها؟. . أيكون الصدود الذي كانت تبديه مجرد وهم باطل ألجأها إليه عيون القوم المفتحة حولها؟ هذه هي الحقيقة بعينها. . . إنها تحبني وتحبني ولكنها لم تكن لتجرأ على البوح بهذا الحب!. . . غفرانك يا آنستي!. . . لقد اتهمتك بالقسوة ولكني كنت مخطئاً في ظني، وإن بعض الظن إثم.
لقد قرأت الورقة ثم طويتها، ورحت أنتظر الساعة الموعودة بفارغ الصبر، ودقت الثانية عشرة، ثم الواحدة بعد منتصف الليل؛ فانحدرت إلى المنزل والآمال المعسولة تحدوني. ولم أكد أصل الباب حتى وجدته مفتوحاً، ولم أكد ألجه حتى وجدتني أمام شبح لم أتبينه لشدة الظلام. . . إنه ولا ريب شبح آنستي المحبوبة. . .
وتقدمت منها وأنا لا أكاد أصدق نفسي! وعرتني رعشة من الفرح كادت تنسيني صوابي، وانحنت آنستي عليّ وراحت تمطرني بوابل من القبل؛ فانتشيت من السرور ومددت يدي محاولاً لمس ثغرها. . . وكم كانت دهشتي عظيمة حين وجدت أن يدي قد دخلت في فوهة لا قرار لها. . يا إلهي!. . أين الأسنان الناصعة، أسنان آنستي المحبوبة؟
وفتحت عيني وحدقت في الثغر الذي كان يقبلني، إنه ثغر أورد وأمعنت النظر بالوجه الذي يقابلني. . . يا للغرابة!. . . إنه وجه (نانو) العجوز التي أبغضها. ولا يستطيع أن يتمثل خيبتي هذه إلا أولئك المقامرون الذين أضاعوا في ثانية واحدة كل ما قد ربحوه في ساعات. لقد تبدلت عواطفي بعد اشتعالها وخمد الدم في عروقي. وما هي إلا ساعات معدودات حتى انقلب التبلد العاطفي إلى ثورة غضب كادت تطيح بصوابي فانقضضت على (نانو) ودفعتها بيدي دفعة قوية فسقطت مغشياً عليها.