في الكلمة الماضية دونت بعض ما ربحت وبعض ما خسرت؛ وسأقصر كلمة اليوم على التنويه بأمور ينفعني النظر فيها من وقت إلى وقت، فأن صح أني قليل الاعتبار بحوادث الأيام، فقد يكون في القراء من ينتفع بالعبرة التي يسوقها هذا الحديث. وآفة الأدب في بلادنا أن الأدباء لا يتحدثون عن عيوبهم إلا قليلاً، وهذا التحرز من سرد العيوب قد يوهم فريقاً من القراء بأن الأدباء تعصمهم مواهبهم من الوقوع في الأغلاط والهفوات. ولو أنهم عرفوا أن الأديب يخطئ ويصيب كسائر الناس، لأدركوا أن التفوق في الأدب ميسور لكل من يتوجه إليه، وهو مزودٌ بقوة العزيمة، ورجاحة العقل، وصدق الوجدان.
فما الذي فاتني من الفوز والنصر في السنة الماضية حتى أرجع على نفسي باللوم والتثريب؟
أعتقد أني ضيعت على قلمي فرصاً لن تعود: كنت في العام الماضي مرهف الإحساس، ولكن قلمي لم يستفد من ذلك.
والكاتب المخلص لفنه لا يترك عواطفه تتبخر وتضيع، وإنما يسارع إلى الاستفادة من فورتها، فيكتب وهو مشبوب القلب ليستطيع السيطرة على القلوب. . .
وما أقول: إني انصرفت عن مصاولة الأزمات الوجدانية، فقراء (الرسالة) يذكرون أني كنت أواجههم بهذه الشؤون من حين إلى حين، ولكني أعترف بأني ظلمت نفسي أقبح الظلم حين تغافلت عن تسجيل ما كان يثور في صدري من العواطف في بعض الأحايين.
حدثني الأستاذ الزيات قال: إن بعض القراء لا يستريحون إلى بعض ما تكتب في الشؤون الوجدانية، وإن من الخير لمن كان في مثل مركزك أن يقف عند حدود الأدب الرزين!
و (بعض القراء) هم المشايخ الذين يسمرون في نادي (الرسالة)، ليجادلوا الزيات فيما يباح وما لا يباح من المذاهب والآراء، وفيهم من لا يرضى عن كاتب مثلي إلا إن شغل نفسه بشرح (دلائل الخيرات)!
والحق أني راعيت رأي هذا الصديق بعض المراعاة، والزيات صديقٌ أمين، والانتفاع برأيه من أوجب الفروض، ولكن كيف كانت العواقب؟