للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القلم المعهود)

تلك نماذج متفرقة من (القفشات) الحربية التي تروج هذه الأيام في البيئات الإنجليزية والفرنسية، وهي كما يرى القارئ على نسق يوشك أن ينتظم في سلك القفشات التي ألفناها من جماعة (أبناء البلد) في هذا الديار، لولا ما يلاحظ على أغلبها من قلة اللعب بالألفاظ وكثرة الاتجاه إلى اللباب

والطائفة التي نود أن نستخرج من هذه القفشات مغزاها الذي هي في حاجة إليه هي طائفة (أبناء البلد) نفسها

لأن الذهن الذي تعودنا أن نسميه بالذهن (البلدي) مصاب بآفة تحجب عنه الكثير من حقائق الدنيا، وهي آفة النظر إلى الأشياء على وجه واحد وصورة واحدة. فإذا ألف أن يقرئ الناس السلام بأسلوب متواتر وألفاظ محفوظة فمن الإخلال بالذوق عنده أن تبدل لفظاً من تلك التحية أو تجريها مرة واحدة على خلاف ذلك الأسلوب

وإذا ألف أن يسمع (القفش) والضحك في مجلس من المجالس وعلى هيئة من الهيئات فليس في وسعه أن يتخيل (تنكيتاً) يدور في غير ذلك المجلس وعلى غير تلك الهيئة وبين أناس غير أولئك الناس

ولعل أكثرهم يفغر فاه من الدهش إذا قيل له أن الأوربيين (يدخلون قافية) كما يفغره دهشاً لو رأى خارقة من خوارق الطبيعة وانقلاباً في أوضاع الحياة، وسمع الخرس ينطقون والعجم يعربون

وإنها لآفة (ذهنية) لا ضير منها على الأمم التي يجهلونها ولا يفهمونها، ولكن الضير الأكبر منها على من يحرمون نعمة النظر الصحيح إلى حقائق الوجود

عباس محمود العقاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>