دخلت على الباشا والمجلس حافل والسرور شامل، فلقيني بما عود زائريه من بشاشة وترحيب، وأقبل بعدى آخرون يخلفون أعماراً وألواناً، فمنهم الشيخ العتيق المحطم والفتى الأنيق المهندم، ومنهم الحضري الناعم والفلاح الخشن، فتقبل الجميع بقبول حسن، وأفاض عليهم من عطفه مثل ما أفاض عليهم من عطفه مثل ما أفاض عليّ
وجاء الخادم يبشر بزائر جديد شعرت عند سماع اسمه بكثير من السرور، فهو اسم أحد السراة الظرفاء الذين سمعت عنهم دون أن ألقاهم، وما كان أشوقني إلى هذا اللقاء!
ولم ينتظر الزائر آذن الباشا بالدخول، بل اقبل في أثر الخادم، وإذا نحن نستقبل رجلاً سمهري القامة، بهي الطلعة، وافر الحظ من المهابة والروعة، ولقد أهتز له المجلس تعظيماً وإكباراً، إلا الباشا فلم يعبأ بمقدمه، ولم ينشط لاستقباله، بل صافحه وهو لاصق بكرسيه، ثم أشاح وجهه عنه، وأقبل بالحديث على سواء
وأخذتني من هذا اللقاء السيئ دهشة وعجب، وجعلت التمس للأمر كثيراً من العلل
قلت لنفسي: قد يكون القادم من الأنسباء أو ذوي القربى، فلا حاجة بصاحب الدار إلى المبالغة في تكريمه، أو لعل اقتحامه المجلس دون انتظار الإذن هو الذي أغضب الباشا عليه
ورأيت جو المجلس قد أظلم بعد استقرار الضيف الجديد في مكانه، وبد على الباشا ضيق وضجر، وحاول الرجل أن يظفر من صاحب البيت بلفتة إليه، أو إقبال عليه، فلم ينل إلا جفاء وإعراضا
ثم انحنى على الباشا يحاول أن يسر إليه حديثاً، فنهره كما ينهر السائل، وصاح به وشرر الغضب يتطاير من عينيه:
لقد أنقطع ما كان بيني وبينك، فلا تعكر صفاء مجلسي بقدومك، ولا تحاول استرداد مودتي فذلك ما لن يكون
وانصرف الزائر خاسئ البصر، لا يكاد يرى مما حوله شيئا، وودعناه راثين لحاله! وأخذ