للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التاريخ في سير أبطاله]

مازيني

(رسول الحرية إلى قومه، المجاهد الذي أبلى في جهاده مثل

بلاء الأنبياء)

للأستاذ محمود الخفيف

- ٢ -

والتحق الفتى بالجامعة في جنوة حيث بدأت فترة نشاطه في قراءة الآداب والتزود بشتى فروع المعرفة مما يدخل في نطاق دراسته؛ وما كان اعتماده فيما يقرأه على الجامعة، فلو أنه قصر همه على ما كانت تزجيه لطلابها من الدروس والكتب لكان له وجهة غير التي اتجهها في المطالعة والبحث ولكانت ثقافته من نوع محدود، هو ذلك النوع الذي يعد الطلاب للإجازات التي تمنحها الجامعات لأبنائها دلالة على انهم درسوا هذه الفنون أو تلك في مستوى معين وعلى صورة معينة ما تكاد تختلف في طالب عنها في آخر

وما كان الفتى ممن يسهل قيادهم من الفتيان فيولون الوجهة التي يريدها لهم غيرهم، وإنما كان بطبعه ثائراً على كل قيد، ما رأى شبح القواعد التي تحد من الحرية في شيء إلا نفر منه ثم عول على تخطي تلك القيود ولو أصابه من وراء ذلك الإعانات والإحراج؛ وكثيراً ما أدى ذلك إلى شكوى القائمين على شؤون الجامعة، وإلى اتهام من يجهل خلقه إياه بأنه مشاغب متمرد؛ أما الذين عرفوه معرفة خبرة فكانوا يحسون في ذلك التمرد وفي ذلك التوثب روحاً قوية حرة لا يجدون نظيرها في أحد ممن حوله من الطلاب

وكانت الحكومة وقد هالها ما هب من الثورات تقاوم كل ميل إلى الحرية ما وسعتها المقاومة؛ وكانت الجامعات هي الأمكنة التي تنظر إليها بعين الخوف والحذر، ففي هذه الأبنية يلتقي الشباب، والتقاء الشباب في جماعات أمر لا يتفق في طبيعته مع تلك المقاومة التي راحت تحكم الحكومة أمرها في طول البلاد وعرضها؛ فللشباب أحلام وآمال لا تحد، وفيهم حيوية وتوثب، ثم هم يتزودون من المعرفة؛ ومن كان هذا شأنهم، أو من كانت هذه طبيعتهم صعب على الآمرين أخذهم بالعنف، بل ما يكون العنف إلا داعياً إلى العصيان

<<  <  ج:
ص:  >  >>