قالت مجلة (المقتطف) الغراء في حديثها عن كتاب (أخبار أبي تمام) للصولي: (أبو تمام أمير من أمراء العصر العباسي، خرج لأهل عصره بجديد لم يألفوه فخرجوا عليه، وساعد في ذلك وجود البحتري فناصره الناس، وفضلوا رقته ورشاقة ديباجته على تعاظل أبي تمام وتعمقه، وطالت الخصومة، وكسب الأدب منها ما كسب من كتب النقد، وكان مما كسبه كتاب الصولي الذي أراد به الانتصار لأبي تمام على كتاب الآمدي (الموازنة بين أبي تمام والبحتري) الذي ناصر فيه مؤلفه البحتري.
قول المقتطف:(أبو تمام أمير من أمراء العصر العباسي) فيه بعض التسامح، فما كان حبيب أميراً من الأمراء، وما ترفعه عندنا إمارة، ولن تخفضه قروية؛ وفلاح عامل أو عالم خير من آلاف من أمراء أغبياء كسالى، وقد كان ابن آوس فلاحاً ابن فلاح من قرية جاسم.
قول المقتطف:(خرج لأهل عصره بجديد لم يألفوه فخرجوا عليه) فيه لبس كثير، فقد جاء أبو تمام بما جاء به ورأى الناس إبداعاً ونبوغاً وعبقرية فبهرهم ذلك واستجادوه واستجزلوه وتقبلوه (ولم يخرجوا على صاحبه) ولم ينكر ذاك الشعر العلوي العبقري ولم يعبه إلا جاهل أو حاسد أو عدو. ومتى تخلص النابغون أو العبقيريون من مناكرين ومعادين؟ وإن عاب الطائي مثل ابن الأعرابي ودعبل فقد أجله أيما إجلال مثل المبرد وابن الزيات. وقصة أرجوزة حبيب وابن الأعرابي (وهي مشهورة) تبين مقدار العداوة إذا اشتدت وجارت. ودعبل، أقواله وأهاجيّه مساخر دعبلية. . . وقد أعلن أبو الفرج في كتابه (الأغاني) والصولي في (أخبار أبي تمام) مقاصد ناقدين في نقدهم حبيباً. قال أبو الفرج:(هم أقوام يتعمدون الرديء من شعره فينشرونه ويطوون محاسنه، ويستعملون القحة والمكابرة في ذلك ليقول الجاهل إنهم لم يبلغوا علم هذا وتمييزه إلا بأدب فاضل وعلم ثاقب) وقال الصولي: (صنف أَلَف في الطعن عليه كتباً ليجري له ذكر في النقص إذ لم يقع له حظ في الزيادة، ومكسب بالخطأ إذ حرمه من جهة الصواب) وإن شاعراً أخمل في زمانه خمسمائة شاعر - إلا واحداً - كلهم مجيد لا يستبدع أن يعاديه معادون، وينبحه شويعرون، وينغر