[مساء القرية]
بقلم محي الدين الدرويش
جثم الصمت على هام الطُّلول ... وأقام الهمُّ فيها مأتما
فهي من حيرتها سكرى ملول ... تتنزَّى من عناء الما
تجمد العينُ لدى رؤيتها ... ويطير القلب منها هلعا
تلمح الوحشةَ في نظرتها ... وترى البؤس عليها رتعا
وإذا ما الليل أرخى السُّجفا ... واستسرَّ الناس في سُدفته
خِلتُ جنّاً في عراء هُتَّفا ... فيلجُّ القلب في رعدته
ضمت الأطلالُ قوما حُرموا ... لذَّة العيش وعدل القدر
شظف العيش لديهم مغنمُ ... وصفير الريح صوت الوتر
رب غيداء كما شاء الهوى ... تأسر القلب بلحظ أصيد
هي من شقوتها رهن الجوى ... تتلظى في بلاء أنكد
حملت يا ويحها أكوابها ... والى (العاصي) تولت مسرعة
قد نفت من حرقة جلبابها ... وتعايت من وناها جازعة
قد سئمت العيش في هذي الربوع ... حيث لا عيش بها يحتمل
ذكريات تتوالى ودموع ... كلما ترتادها تنهمل
أين مني زمن طالعني ... من ثنايا العمر رفّافٌ أنيق؟
ما عهدت الهمَّ يوماً ضافني ... أحتسي اللذات فيه لا أفيق
آه لو ترجع هاتيك العهود ... ويسود الصفوُ أيام الحياة
فنعيم العيش في لثم الخدود ... وانتعاش الروح من (ماء الحياة)
إنما الدنيا بلا قصف جمود ... موحش يغمره يأس عميق
فاغنم اللذات في هذا الوجود ... فحياة المرءِ إيماض بروق
غاية العلم ضلال باطل ... وجهالات بها تضطرب
هل درى والموت فينا نازل ... ما مصير الروح أنى يذهب؟
ينشد المرءُ نبوغاً سامياً ... وهو لا يعقل ما رام النبوغ