بقي علينا قبل أن نغادر فصل الألوهية عند قدماء المصريين أن نبين حقيقة علمية ظلت مستورة وقتاً طويلاً يكتنفها الغموض ويحوطها الإبهام من كل جانب، وظل العلماء والباحثون يتخبطون في حل مشكلتها مدى بعيداً. تلك المشكلة هي عبادة المصريين للحيوانات التي طالما كانت موضع الحيرة من المستمصرين الذين يدينون بمدنية مصر الفائقة ورقي عقليتها الممتاز الذي لا يتفق مع عبادة الحيوانات تحت لواء منطق مستقيم
وها نحن أولاء نبين رأي الخاصة المتفلسفين في عبادة الحيوان بعد أن أبنا في الكلمات السابقة منشأ عقائد العامة الذين كانوا يعبدون تلك الحيوانات دون أن ينشغلوا بأسباب هذه العبادة. وقد ذكرنا لك فروض العلماء التي تمحلوها في هذا الشأن؛ أما الخواص من المصريين فمبررات عبادتهم للحيوان تتلخص فيما يلي:
كان المصريون يعتقدون أن الروح تعود بعد الموت فتقطن في المومياء المحنطة وفي التمثال الحجري على ما سنبين ذلك في بابه، ثم تدرجوا إلى أن للإنسان عدة شخصيات بعضها مادي وبعضها روحي، وأن كل شخصية من هذه الشخصيات يمكن أن تستقل بنفسها في مأوى خاص وإذا كان هذا شأن الإنسان فأحر بالإله - وهو الأعظم روحانية - أن يكون له عدة شخصيات تحل كل واحدة منها في مأوى، ثم فكروا فهداهم تفكيرهم إلى أن مأوى شخصيات الإله لا يصح أن تكون ميتة كالمومياء ولا حجراً بارداً كالتمثال، وإنما يجب أن تكون مستحوزة على الحياة الواقعية وأن تكون غير إنسان، فأخذوا يحلون الإله تارة في ثور وأخرى في تمساح وثالثة في قط، ورابعة في طائر، ثم يتبعون هذا الحلول بتقديس ذلك القط أو ذاك الثور أو هذا الطائر، ويقدمون إلى هذه الحيوانات أنواع العبادة