والإجلال، لا على أنها معبودات لهم، ولكن على إنها ظروف قد حلت فيها شخصيات الإله الأعظم التي لا تتناهى.
وكانت هذه العبادة في أول الأمر مقصورة على فرد واحد من أفراد كل نوع من الحيوانات ينحصر فيه الاختيار من بين جميع أفراد نوعه لميزة لا توجد في غيره، ثم تطورت هذه العقيدة فأخذت تشمل أفراد كل نوع عبد منه فرد واحد في الماضي.
وقد شاهد (هيرودوت) في مصر هذه الحالة فنبأنا بأن حريقاً شب في مصر فوجه السكان جميعهم عنايتهم إلى نجاة القطط قبل أن يفكروا في إطفاء النار، وهو ينبئنا كذلك بأن موت بعض الحيوانات كالقطط والكلاب كان يعقبه في مصر حداد شامل وألم عميق. وليست رواية هيرودوت وبأغرب مما يحدثنا به الأدب عن الحيوانات، إذ ينبئنا أن المصريين كانوا يعتقدون أنها مشتملة على كثير من أسرار الكون الخفية، فهي مثلاً تعلم الغيب وتحيط بما في المستقبل الغامض على الإنسان، ولكنها تحتفظ بهذه الأسرار ولا تبوح بشيء منها إلا للمقربين الذين اصطفاهم الإله أو سيصطفيهم عما قريب. وهاهي ذي الأساطير المصرية تحدثنا في قصة (الأخوين) أن (بيتيو) أحد الشقيقين اللذين وشت بينهما زوجة أكبرهما كان عند مواشيه، وهو لا يدري تربص شقيقه به، فهتفت به إحدى البقرات قائلة: هاهو ذا أخوك يريد قتلك بسكينة فانج بنفسك من أمامه. ولم يكن الحيوان وحده هو موضع هذا الحلول الإلهي ومقر تلك الأسرار الكونية، وإنما كان النبات كذلك. ولهذا فكثيراً ما يصادفك في التاريخ المصري: حقائقه وأساطيره، آثار أو قصص تتحدث عن الأشجار المقدسة الحائزة لغوامض الأسرار. فمن ذلك ما ينبئنا به كتاب (الأدب المصري القديم) من أنه بينما كان فرعون جالساً ذات مرة مع زوجته التي كان يحبها حباً جماً تحت إحدى الشجرات المقدسة في سرور وسعادة، وإذا بالشجرة تنحني على الملك وتسر في إذنه أن زوجته خائنة؛ إلى غير ذلك مما لو تعقبناه لطال بنا البحث.
ارتقت بعد ذلك هذه العقيدة وسارت إلى الفلسفة بخطوات واسعة فقررت أن الإله حال في كل كائن حي، بل في كل جزئية من جزيئات الطبيعة، وأنه ذو مظاهر مختلفة، فهو مرة روح في جسم حي، ومرة روح مجردة، وثالثة قوة من قوى الطبيعة في الجو أو على الأرض أو في أعماق البحار؛ وهذا الحلول الديني أولاً، والفلسفي ثانياً، هو سر عبادتهم