قرأت المقال الممتع الذي كتبه الأستاذ الشاعر محمد عبد الغني حسن بالعدد ٤١٠ من الرسالة وأتى فيه على تاريخ الرحلات العربية. ولعل الأستاذ يفسح لنا صدره فنأخذ عليه بعض مآخذ لا تغض من مقاله القيم.
حاول الأستاذ أن يستقصي في مقاله جميع أنواع الرحلات التي نعرفها للعرب فوُفق حيث ذكر الرحلات الاضطرارية كرحلة القحطانيين، والتجارية كرحلة الشتاء والصيف لقريش، والدينية كهجرة المسلمين إلى الحبشة والى المدينة، والسياسية كرحلات المسلمين إلى المدن المفتوحة، ورحلات الاستجداء كرحلة جرير وأبي نواس، وأخيراً (الرحلات لذاتها ولم تبدأ إلا في القرن الرابع الهجري) كرحلة المسعودي والبيروني والقدسي وابن جبير والمغربي وياقوت الخ.
وعجبي للأستاذ محمد عبد الغني أن ينسى ضرباً من الرحلات هو في نظري أهم ضروبها، وأجدرها بالدراسة لأنه أجملها أثراً وأجلها خطراً في العلم والأدب، وأعني به (الرحلة في طلب العلم).
وأعجب من هذا أن ينسى الأستاذ الكاتب نفسه وهو قد رحل في طلب العلم. وليته قرأ ابن خلدون يقول:(إن الرحلة في طلب العلم ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعلم).
ولقد عرف العرب لرحلات العلم قيمتها فكانوا ينتقلون في مشارق الأرض ومغاربها للقاء الشيوخ، ويرحلون إلى البادية لتَضْرَى مقاولهم بالفصاحة، ويتحملون في سبيل العلم من بعد الشقة وقلة الزاد ووحشة الطريق ورهق السفر ما الله به عليم.
ذكر ابن خلكان أن الخطيب أبا زكريا التبريزي شارح ديوان الحماسة، والقصائد العشر (٤٢١ - ٥٠٢) وقعتْ له نسخةٌ من كتاب التهذيب للأزهري في عدة مجلدات يُعوزُ بعض مسائلها شيء من التحرير، فسأل عمن يقوم بذلك فدلوه على أبي العلاء. . . فماذا يصنع الرجل والشقة بعيدة وهو فقير لا يملك أجرة دابة تحمله؟ لقد وضع الكتاب في حقيبةٍ وحملها على ظهره وسافر من تبريز إلى المعرة مشياً على قدميه حتى بلغها وقد قطع نحو