سبعمائة ميل ثم أخرج الكتاب فوجد العرق قد نفذ إليه فأفسد منه ما أفسد.
والأندلس العربية، لقد كانت كعبة القاصدين من أهل المشرق كما كان نجمة الرائدين من أهلها طالبين للعلم، والعلامة المقري صاحب كتاب (نفح الطيب) يسهب في كتابه إسهاباً، ويُطنب إطناباً، حين يتعرض لذكر الذين رحلوا من الأندلس إلى المشرق يطلبون العلم وينافسون فيه المشارقة.
وكتب التراجم كوفيات الأعيان ومعجم الأدباء وطبقات الأطباء وتاريخ الحكماء تؤرخ لألوف من العرب رحلوا يطلبون العلم (ولو في الصين)، لا يعوقَّهم الإملاق عن شهود محافِلِه، ولا تحلِّئهم المشاق عن ورود مناهله.
ولقد كتبتُ فصلاً مسهباً عن (رحلات العرب في طلب العلم) من فصول كتاب أشتغلُ جاداً بوضعه عن (المسلمون والتربية) عسى أن يكون الفراغ منه قريباً.
وللأستاذ شرف الدين خطاب المفتش بوزارة المعارف فصل موجز في هذا الموضوع في كتابه (التربية في العصور الوسطى) الذي يدرس في دار العلوم، فراجعه إن شئت.
نعود لناحية أخرى نعتقد أن الأستاذ عبد الغني تجنى فيها على شعراء العربية، وذلك حيث قال عنهم:(ولكن واحداً منهم لم يفكر في تدوين رحلة أو تسجيل مشاهدة)، وحيث قال:(وإذا كانت هذه الرحلات الفردية وكثير غيرها قد أضافت بعض الثروة إلى الأدب إلا أنها لم تكن منتجة بالنسبة للرحلات والاسفار، فهي عقيمٌ كل العقم من هذه الناحية).
فلقد عرفنا لكثير من شعراء العربية الرحالين شعراً رائعاً يصفون فيه رحلاتهم ليس هذا موضع الإفاضة فيه، ولكني أمثل بالبحتري وقصيدته في وصف إيوان كسرى التي ضمنها وصف رحلته ومشاهداته، وأمثِّل بأبي الطيب المتنبي الذي تقلب ما بين دمشق وحلب ولبنان وفارس ومصر وشهد غزوات سيف الدولة فضمَّن شعره الكثير مما شاهده، فوصف بحيرة طبرية وشعب بوان وحِمص وتُفاح لبنان، ووصف نساء الروم في وقعة نهر (أَرْسَناس)، وليس في إغفاله وصف آثار مصر ونيلها دليل على قصوره أو تقصيره فإن لذلك أسباباً لا نتعرض لها في هذه العُجلة، بل لقد كان لرحلته إلى مصر آثار كثيرة في شعره. . . أقلها أنه هجا المصريين.
وابن هانئ الذي قال عنه الأستاذ (يخرج من الأندلس إلى شمال أفريقية فيمدح الخليفة