تنزع بعض الأقلام عن جادة الصواب إلى هوة التغرض والتشيع، وتساق إليها بتهور عاطفة أصحابها، وانحيازهم معها إذا يكتبون مائلين إلى الناحية التي تكمن فيها أغراضهم الذاتية، وأهوائهم القومية والعنصرية. والعلم متى اصطبغ بالتشيع، وتلون بالتغرض، ومال حيث تميل العاطفة، فسد وصار باطلاً مفتعلاً، وهراء مبتذلاً. ومن نكبة العلم أن تقوم فئة من المؤرخين المتشيعين، فتعلن عدائها للعرب، وتروح بدافع هذه العداوة تشوه وجه تاريخهم المشرق بشتى الوسائل والسبل؛ آناً بالوضع والاختلاق، وحيناً بسوء التفسير والتأويل، حتى نفثت فيه من سمومها كل ما ينتقص جليل قدرهم، وينال جميل سمعتهم، ويضع من عالي مكانتهم، وذلك شفاء لغيظ نفوسها، وإطفاء لحزازات صدورها. ومن هذه السموم والأباطيل ما يروج له بعضهم من أن الفاروق هو الذي أمر بإحراق خزانة الإسكندرية على حين قد أثبت المنصفون إنها قد أحرقت قبل الفتح الإسلامي
تأسيس هذه المكتبة
لم يكد الإسكندر المقدوني يعبر البحر إلى أسيا، ويمعن في أقطارها فتحاً واستعماراً، ويستولي فيها على إرث ملوك الفراعنة والبابليين والآشوريين والفرس، حتى أخذ يستفيد من حضارات ومدنيات وعلوم وآداب هذه الأمم المغلوبة على أمرها، فسعى في نقل ما في خزائنها إلى اللسان اليوناني والقبطي وأرسله إلى مصر. فقد ذكر أبن النديم في كتابه الفهرست ص ٣٢٩ ما نصه:(أن الإسكندر لما فتح عاصمة الفرس (أصطخر) نسخ جميع ما في خزائنها من الكتب إلى اللسان اليوناني والقبطي، وبعث بها وبسائر ما أصاب من العلوم والأموال والخزائن والعلماء إلى مصر)
وفي عام ٣٢٣ ق. م. توفي الإسكندر فكأنما كان موته ريحاً زعزعاً، بدد شمل تلك الإمبراطورية التي أقام بنيانها، وأسس دعائمها، إذ اقتسمها قواده من بعده، فأختل النظام،