ربما كان من أحب التهم إلى نفس الأديب تهمة (شهوة الكلام) الذي تفضل الصديق الكريم الأستاذ محمد عبد الغني حسن فرماني بها! فإن امتلاء النفس بشهوة الكلام وجيشان المعاني في صدر الإنسان واحتدام رغبته في أن يكتب ويعبر. . . هي الدلالة الصادقة على أنه الأديب حقا، فما بالك إذا كان ذلك منه للرغبة الخالصة في الدفاع عن الكتابة والأدب؟ وما بالك إذا كانت شهوته هذه لم تواته في المواسم والأعياد وحفلات الوداع والاستقبال وما إلى ذلك! وإنما واتته لدفع تهمة خطيرة عن الأدب وقيمته وأثره في حياتنا الراهنة؟ وعلم الله ما أردت تجريح الصديق الكريم ولا الزراية به، فله عندي حرمة الصديق القديم. ولكن ها لني أن يكيل الأستاذ التهم للأدب كأنه له العدو المبين! ها لني أن يرى الأدب عملا (غير جدي) كما يقول وها لني أن يحمد الأستاذ في أمته (الأفعال لا الأقوال) كما يقول أيضاً، وها لني أن يكون رأيه في الأقوال هكذا:
هذه الأقوال لا تحمى شهيدا ... من ضحايا الحق أو تشفي أواما
أطلقوا المدفع. . لا حنجرة ... وارجعوا للسيف في الحق احتكاما
وها لني أن ينادي - وهو الكاتب - في الناس بهذه الأقوال:
لا تردوا عنكموا غدر الأعادي ... بالعبارات نثارا ونظاما
الكلام اليوم لا يحمى حقوقا ... والبيان اليوم لا يرعى ذماما
وكانت الطامة الكبرى عندي أن يقول (. . فنحن اليوم إلى سلاح صوال، احوج منا إلى لسان قوال)!
ها لني ذلك وخشيت أن يتأثر به بعض ذوي العقول الساذجة من الناس، فملكتني (شهوة الكلام) لأصحح هذا الوهم ولأدفع هذا الظن، ولأبين للناس أن الأدب هو الذي يطلق المدافع ويسوق الجيوش ويحرك الجحافل، وان الأدب هو الذي يستنهض الهمم ويشحذ العزائم، وان الأدب هو الذي يحمي الحقوق ويرى الذمام ويرد غدر الأعادي. . أردت هذا فانبرى الصديق الأستاذ محمد عبد الغني حسن يعقب على كلامي بسلسلة متصلة من التهكم