الاستيراد والتصدير من أهم ما يشغل بلدان العالم في السنوات الحاضرة وأزماتها (لا ريب) من أشد الأزمات التي تواجهها الحكومات والشعوب، فما يطامن من شدتها إلا الكثير من حكمة السياسة وسلامة الوطنية.
وهؤلاء الأسلاف من رجال الأمة الإسلامية مدوا بأبصارهم في هذه الناحية أيضاً إلى آفاق بعيدة، فبلغوا في نور شريعتهم الهادية وفي ظل هممهم العالية مجداً تجارياً لو أدخلنا في الاعتبار ملابسات زمانه لحق لنا أن نضعه غير متهيبين بجانب ما بلغته أرقى الدول الحديثة من نجاح تجاري عظيم.
عني هؤلاء الأسلاف بالاستيراد والتصدير عناية أوفوا بها في زمانهم على الغاية. ولعل من أجمل غايات هذه العنايةان يتناولها التأليف الإسلامي تناولاً فيه تفصيل نافع ومعرفة مشرفة.
فالجاحظ يفرد في كتابه (التبصر بالتجارة) باباً لـ (ما يجلب من البلدان من طرائف السلع والأمتعة والجواري والأحجار وغير ذلك).
وأبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي الذي عاش في القرنين الخامس والسادس الهجريين يضع كتاباً اسمه (الإشارة إلى محاسن التجارة) يوضح فيه ما يجب على أنواع التجار مراعاته، فيذكر أن على المستورد الذي يبيع بالجملة - واسمه في مصطلح ذلك العهد: الخزان - تقديم المعرفة بأحوال البضائع في بلادها وانقطاع الطريق أو أمنها، وعليه تقسيم شراء الصفقات الكبيرة في أربع دفعات توقياً من الخسارة، وعليه تأمل أحوال السلطان الذي هو في كنفه. . . الخ، أما المصدر - واسمه وقتئذ المجهز - فعليه أن يعين وكلاء له في البلاد التي يصدر إليها ليبيعوا بضاعته ويشتروا الأعواض عنها، وذلك مقابل حصة في الربح. ويناقش أبو الفضل مسائل الاقتصاد النظرية كتحديد أسعار السوق ومتوسط السعر مما يدل على معرفة بالاقتصاد عريضة.
وابن خلدون يعقد لموضوعات التجارة عدة فصول في مقدمته يضمها توجيهات حصيفة، ومن هذه الفصول فصل في نقل السلع دعا فيه المستوردين إلى تحري جهدهم في استيراد