أفاق أدم من غفوته عند قدوم حواء، وكان المنتظر أن يتلقاها بالضم والتقبيل، ولكنها عاجلته بضربة قاصمة هي تذكيره بشجرة التين، فغام قلبه بعد صفاء، وعاد فانطوى على نفسه كما يصنع الأرقم في ليالي الشتاء.
- آدم، مالي أراك شارد اللب؟
- من الفرح بقدومك بعد طول الغياب!
- أنظر، أنظر، ألا ترى أني صرت أنضر من أزهار التفاح؟
- وأحلي من أثمار التفاح!
- إذا ما هذا الخمود الذي يغالب قواك؟
- ما أنا بغافل عن واجب الترحيب بهذا الجسم الفينان، الجسم البديع الذي أضلني وهداني، ولكني تذكرت (صلاة الشكر) وهي صلاة لا تتم بلا اعتكاف، فإن رأيت أن تتركيني وحدي لحظة أو لحظتين. . .
- انتهاب الجمال هو في ذاته شكران لواهب الجمال
- أبغض ما تكون المرأة حين تتفلسف، فاتركيني لصلاتي، وإلا مزجت الكوثر بدمك النجيع. انصرفي ولا ترجعي إلا إن سمعت ندائي
(وخافت حواء عواقب هذه الغضبة فولت هاربة لا تلوى على شيء وتركت آدم للصلاة، وهي ترجو أن تكون صلاته أقصر من الأمل في سيادة العدل)
فماذا وقع بعد انصراف حواء؟
هل صلى آدم؟ وكيف تصح له صلاة وقبله يفور، وعقله يثور؟
أخذ آدم يفكر فيما انتهى إليه أمره وأمر حواء، فقد كانا غايةً في الطاعة والخضوع، فما الذي جد حتى أصبحنا غايةً في التمرد والعصيان؟
أيرجع السبب إلى وسوسة إبليس؟
ولكن إبليس كان يوسوس منذ أزمان ولم يصل إلى شيء، فكيف وصل بعد اليأس؟