تقدم الأستاذ محمد فريد أبو حديد عضو المجمع اللغوي وعميد معهد التربية إلى المجمع ببحث مطول عن موقف اللغة العامية من العربية الفصحى عرض فيه لخصائص العامية ومالها من الآثار الجميلة في معارض الكلام كالزجل والموشحات والقوما والدوبيت، وتناول ما كان لها من تطور في الشرق وفي بلاد الأندلس ثم في باقي الجهات الأخرى، وانتهى منذ ذلك إلى القول بوجوب دراسة العامية ولاهتمام بها ووضع الوسائل للتقريب بينها وبين الفصحى حتى تلتقي لغة الكتابة ولغة الكلام.
وليست هذه الدعوة التي يرتفع بها صوت الأستاذ أبو حديد اليوم بالامر الجديد، ولعلها دعوة قديمة بالية ارتفع بها الصوت في مصر منذ أكثر من خمسين عاما، وثارت فيها عجاجه الكلام واشتجرت حولها أقلام الباحثين، وقد استطاع أساتذة ذلك الجيل أن يصفوا حسائها وأن يفرغوا من تنفيذها وأن يأتوا في ذلك بما لا مزيد علية.
كان رأس تلك الدعوة رجل إنجليزي موظف في مصر يدعى (ويلكوكس)، وكان هذا الرجل داهية، درس اللغة العربية، واللغة العامية أيضاً وكان عمله الأصيل في شئون الري والصرف، ولكنه أثار بين المصريين الدعوة إلى العامية بحجة أنها لغة الكلام، وإنها قريبة منن الإفهام، ومن العجيب إن ذلك الرجل أنشأ مجلة يوم ذاك سماها (الأزهر)، وكان يصطنع الغيرة على العربية كان يحاول أن يسدد الطعنه النجلاء إلى العربية والى الإسلام والى المصريين.
وبيننا كثيرون يذكرون أن الأستاذ الجليل أحمد لطفي السيد باشا كان له مجال في معرض تلك الدعوة، فقد كتب مقالين في (الجريدة) أيام كان يقوم على تحريرها يدعو فيهما إلى تمصير اللغة، فانبرى كثير من الباحثين لمناقشة دعوته وتفنيد حجته، وكان الرجل قد اقتنع بما بدا له في معرض المناقشة إذ سكت عن تلك الدعوة إلى اليوم، بل لقد وقف بعد ذلك يدعو إلى الفصحى ويحبذها في عدة مناسبات. . .
وأنا في الواقع لا أدرى ماذا يريد الأستاذ أبو حديد بالتقريب بين العامية والعربية، وماذا يقصد بان (تلتقي لغة الكتابة ولغة الكلام)؟!