هذا هو الرقم في الحساب، وهو عدد الذين قتلوا في الحرب الأسبانية الأهلية من رجال ونساء وأطفال، ومن مقاتلين وموادعين. بل كان عدد القتلى من الجنود أقل من عدد القتلى الذين لم يحاربوا ولم يحملوا السلاح؛ لأن هؤلاء قد بلغوا ثلاثة أرباع المليون!
رقم!. . . وماذا في الرقم من دلالة؟ كل ما هنالك أن ألوفاً كثيرة أصبحوا اليوم موتى وكانوا بالأمس أحياء
إلا يعرف الإنسان هذا من قديم الزمان؟ ألا يعرف أن ألوف الألوف وملايين الملايين كانوا في عداد الأحياء فأصبحوا في عداد الأموات؟
فماذا في هذا الرقم الجديد؟ وأي شيء فيه يستوقف نظر القارئ أو يعوقه لحظة عن إتمام بقية السطور؟
لكن كاتباً من الكتاب يعمد إلى واحد من هذه الرمم فيخلق حوله مأساة، أو يبسط المأساة التي خلقتها الحوادث عياناً كأفجع ما يتخيل الخيال
يرينا إياه إنساناً له آمال، وأباً له أطفال، وقريناً له قرينة، ومحباً له محبة، وعدواً له ضغينة
يرينا أطفاله عراة جياعاً مشردين في العراء وقد كان موضعهم من الحياة فوق مهاد وبين أحضان
ويرينا الفتاة اللعوب التي كانت نظرة من عينيها أو لمحة من بين أهدابها أملاً تتعلق به حياة الخاطبين، فإذا هي جيفة يعرض عنها الناظر، أو بغياً يبتذلها الطريق
ويرينا على الجملة قلب إنسان واحد يتمزق بين هذه القلوب، فإذا بصدر القارئ يخفق، وبعينه تدمع، وبرأسه تقيم فيه الخواطر، وبالدنيا تضيق في وجهه، وبالرقم المهمل شيئاً مرعباً تقشعر له الأبدان وتجفل منه الأبدان
ما أبلد خيال الإنسان!
نعمة من النعم في بعض الأحايين أن يمني الإنسان ببلادة الخيال. وإلا فأين هي النفس التي تتخيل ما وراء ذلك الرقم أو ما وراء ذلك المليون والآلاف المائتين من المآسي والفواجع