صرنا في هذه الأيام نسمع قول بعض الساسة أنه إذا لم ينفذ تقسيم فلسطين فهيئة الأمم تفقد هيبتها. أجل تفقد هيبتها من غير شك. ومشروع التقسيم لن ينفذ على الإطلاق، وهيئة الأمم ستفقد هيبتها حتماً؛ ويكون موتها فجأة لا كموت جمعية الأمم المرحومة، لأن هذه كانت مريضة بالسل وهيئتنا مريضة بالذبحة الصدرية. فبنوبة اخرى تقضي نحبها.
من الملوم على هذا المصير الفادح؟
هيئة الأمم نفسها ملومة. وعلى نفسها جنت براقش.
لأنها لم تكن محكمة للقضاء العادل كما كنا نظن، بل ظهر لنا أنها كمحكمة صلح، لا تقضي بين محكمتين بل تحاول مصالحة العرب واليهود مصالحة قهرية. ولكنها مصالحة مستحيلة، لأنه ما من أحد في الدنيا يصالحك على بيته وأنت تحتله عنوة وتعمد إلى اقتسام شطر منه وليس لك فيه حق لا أولاً ولا آخراً.
أجل لم تكن هيئة الأمم محكمة قضاء ولا محكمة صلح؛ بل كانت سوقاً للمساومة على المصالح الشخصية على حساب صاحبها. فالإنصاف لا يمكن أن يكون رائدها بتاتاً. بل كانت ساحة مناوأة بين الدول ذوات المصالح التي كانت تتذرع بالمسألة الفلسطينية إلى اقتناص أغراض اقتصادية واستراتيجية ونحوها.
وقد رأينا في عرض قضية فلسطين في هيئة الأمم كيف كانت هذه الأغراض تتبارى بلؤم ودناءة. فلكي يرقى شخص واحد لا عبقرية له إلى كرسي الرئاسة يستغيث باليهود القابضين على زمام الدعاية. وقد ساعده مركزه الوقتي في كرسي الرئاسة على أن يضغط على بعض الدول الصغيرة بالوعود والوعيد لكي يصوتوا مع التقسيم، فأطاعوا كما يطيع صبيان المدارس. ولما كسب مشروع التقسيم الأكثرية ظن الصهيونيون أنهم امتلكوا نصف فلسطين وأنهم سيمتلكونها كلها ثم يمتلكون جميع البلاد العربية من النيل إلى الفرات. فصاروا يرقصون في الشوارع. ولكن ما لبث هذا الرقص أن تحول إلى مناحات.
والغريب العجيب المدهش أن اليهود والذين انحازوا إلى جانبهم لم يفكروا في كيفية تنفيذ هذا المشروع السخيف بل ظنوا أنهم بمجرد صدوره يصبح العرب أمام أمر واقع وأن