من حق الرسالة أن تعتب على حملة الأقلام وملوك القول في مصر لتقصيرهم في (سنوية) المازني، ومن حقنا هنا معشر السوريين الذين عرفنا الفقيد حق المعرفة أن نشارك الرسالة في هذا العتاب والملامة؛ لأن المازني الخالد الذكر له في ربوعنا تلاميذ، وله مدرسة، فالمعجبون بأسلوبه والمرتشفون مناهل ينابيعه والمترسمون خطاه كثر بين ظهرانينا.
ولقد لمع نجمه في بلادنا منذ عهد مجلة السياسة الأسبوعية التي كان يصدرها حسين هيكل بك، وأحبه الدماشقة في زياراته المتكررة لبلادهم، وعشقوه من هذه الصولات القلمية التي دافع بها عن أوطانهم يوم كل أمير الفرنسي يحز في أعناقنا، ولذا بات من حقهم مشاركة اللائمين في تقصيرهم بإقامة حفلة لإحياء ذكرى وإن كانت ذكراه ماثلة للعيان في آثاره الأدبية وكتبه المنتشرة في كل قطر عربي. . . إن من حق الصحف العربية في جميع أقطارها أن نملأ عقولها اليوم بذكرى جاحظ عصرنا الحالي الفقيد المازني وتعدد مناقبه لما له على لغة الضاد من بيض الأيادي، وأن الأقلام العربية على غزارة مادتها وتنوع مناهجها لم تشهد منذ عهد الجاحظ كاتبا ملك من أسلوب الصياغة وإشراق الديباجة مثل الذي ملكه. فهو عبقري في فنه يتناول أبحاثه بأسلوب الساخر المتهكم، فيحدث من هذه الناحية في جسوم خصومه جراحات دامية فيصرعهم صرعا. ويدق أعناقهم دقا بأسلوبه اللاذع المرير، وإلى هذا فإن من أدبه الجم من أي النواحي أتيته لمادة ثرى جديرة بأن يكتب عنها إحياء للذكرى، وإني شخصيا على شدة هيامي بأسلوبه، وحزني على فقدانه لم أجد ما أقوله فيه بهذه (السنوية) سوى ذكرى زيارته الأولى لدمشق سنة ١٩٤٣ وذكرى تشرفي بمعرفته، إذ ما كاد يذاع وقتئذ في عاصمة أبناء عبد شمس الغر الميامين خبر قدوم زعيم الثورة الأدبية وحامل لوائها حتى خف أدباء العاصمة ومتأدبوها شبابا وشيبا لمقابلته والتعرف عليه، وكنت بين هؤلاء الذين حجوا النزل لزيارته. فأول ما تبادر إلى ذهني قبل رؤيتي الرجل أني سأرى ماردا من مردة الجان لكثرة ما كنت أسمعه عنه وكثرة تحدث الناس عن أدبه الجم وأسلوبه العجيب، فقلت في نفسي لعل هذا المازني الذي نسمع به ونعجب بشهرته الأدبية الواسعة يكون على عظم هذه الشهرة أضخم من عرفنا وأطول