ألممت في كلمتي السابقتين بما تأخذه النظرة العجلى من الأغلاط التاريخية والجغرافية الواقعة في كتاب (تاريخ الإسلام السياسي) وهي لعمري أغلاط يذهب بعضها بمحاسن أي كتاب يرد فيه فكيف بها كلها: وأريد في هذه الكلمة أن أعرض في شيء من النقد لمصادر هذا الكتاب، وأن آتي بعد ذلك على بعض عيوب لحظتها على طريقة المؤلف في أخذه عن المصادر المذكورة، وكم كنت أود، علم الله، أن تكون كلمة اليوم كلمة ثناء أكيله للمؤلف جزافاً لعلي أمحو ما عساه أن يكون قد علق بنفسه من جراء المقالين السابقين، ولكن شاء سوء حظي أن يجئ الأمر على غير ما أريد
كل من يطلع على (تاريخ الإسلام السياسي) تبهره من غير شك كثرة المصادر التي تدل على أن المؤلف رجع إليها في وضع كتابه، فما من صفحة من صفحاته، ولا فقرة من فقرة إلا وهي تحتوي على أقل تقدير إحالة واحدة للقارئ على مرجع من مراجع التاريخ الإسلامي القديمة والحديثة. ثم إن المؤلف لا يكتفي بذكر مراجعه منثورة مفرقة على الفصول والصفحات والفقر والأسطر، بل هو يوردها في آخر كتابه مجموعة منسوقة في بضع صفحات تروع النظر والفؤاد جميعاً
وإيراد المراجع العلمية على هذا النحو واجب محتوم في البحوث العلمية الدقيقة التي يراد فيها الإدلاء بنظرية علمية جديدة أو بسط وجهة نظر مستطرفة. أما في الكتب العامة التي يقصد أن تكون في متناول الطلاب المثقفين فقد جرى العرف بأن يقتصر من ذكر المراجع في صلب الفصول على الضروري، ثم يذيل كل فصل بذكر المراجع التي استعان المؤلف بها في كتابة الفصل تبرئة لذمته وتوسيعه على الطلب والقارئ الراغب في سعة الاطلاع وكثرة التحصيل. ومما يبعث على سلوك هذه الطريقة أن الأصل في الكتب المؤلفة للطلاب وراغبي الثقافة، أن يكون واضعوها من أعلام العلماء وجهابذة الأساتذة، ممن لهم في العلم