قدم راسخة ومكانة عالية تحمل قراءهم على تصديقهم فيما يقررون وما إليهيذهبون
ومع أن كتاب (تاريخ الإسلام السياسي) من الصنف الثاني فقد آثر المؤلف ركوب الطريقة التي تتبع في الصنف الأول، فحمل متن كتابه من الشروح والحواشي حملا ثقيلا، وكلف نفسه شططا وقراءه مشقة وعنتا. ولم كل هذا؟ لا لشيء سوى ابتغاء السمعة عند الناس وأن يلقي في روع القارئ أنه في التاريخ واسع الاطلاع، طويل الباع، قد وعى ما كتبه الأوائل والأواخر
على أن نظرة ناقدة إلى المراجع المذكورة كفيلة بأن تثبت أن كثرتها إلى حد بعيد صورية لا حقيقية. فان حرص المؤلف على التكثير والتزيد قد حمله في كثير من الأحيان على أن يدلل على ما لا يحتاج إلى دليل، وأن يعدد المراجع ولو كانت في مرد أمرها ترجع إلى مصدر واحد. فمن من تلاميذ المدارس لا يعرف نص الخطبة التي افتتح بها أول الخلفاء الراشدين عهده؟ إنها أشهر من أن تجهل. ومع ذلك فالمؤلف الكريم يحيل قارئه عند إيراده نص هذه الخطبة على أربعة كتب قديمة متضمنة لها ذاكرا اسم الكتاب واسم المؤلف ورقم الجزء والصفحة والطبعة ومكان الطبع! كذلك الحديث الذي يزعم رواة العرب أنه جرى بين أبي سفيان وبين هرقل قيصر الروم في الشام. وهو حديث يحمل في ثناياه أدلة ضعفه وانتحاله، وهو على فرض صحته ليس بذي خطر، ولا يقدم في فهم سيرة الرسول ولا يؤخر. ومع ذلك، فالمؤلف يورده بنصه على طول ذلك النص ثم يحيل القارئ على الكتب القديمة التي ذكرته، وقد ذكر منها خمسة أكثرها شروح مختلفة على متن البخاري. لو أن المؤلف قصد إلى مناقشة هذه النصوص ومقارنة رواياتها المختلفة بعضها ببعض، وبيان ما تتفق فيه وما تختلف من حيث اللفظ والمعنى، ثم الوصول بعد ذلك إلى حكم يكون لها أو عليها، لكان للمشقة التي عني نفسه وقارئه بها ما يجيزها ويسوغها. أما وهو لم بقصد إلى شيء من ذلك فقد انتقلت المزية وبقيت المشقة
ثم إن هذه الكثرة صورية من وجه آخر أكثر خطرا وأضر بقيمة الكتاب العلمية وبمقدرة مؤلفه على نقد مراجعه وتقويمها ذلك بأن المؤلف كثيرا ما يأخذ عن كتب أثبت البحث العلمي الدقيق أنها لا يصح الاعتماد عليها بحال في معرض التدليل العلمي الصحيح. فهو يعتقد أن الكتاب القصصي المسمى (فتوح الشام) للواقدي حقا، ثم يذهب يستعين به في