للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين اللغة والأدب والتاريخ]

الفالوذج

للأستاذ محمد شوقي أمين

- ٣ -

صنفه السوقي، هل وضع له أسم عربي، قول الثعالبي، نقل

السيوطي، رأي السكندري، فصيح الألفاظ في معناه

- ٤ -

ولما تألق الفالوذج في دنيا المطاعم، وازَّينت به موائد الأثرياء، تسامع به العامة، فتحلبت له شفاههم، وتشوفت إليه شهواتهم، فراح السوقيون من صناع الأطعمة وباعتها يلهوجونه على ما يعرفون من صفته، فيخرجونه مسيخاً مليخاً لا تأنق في طهيه، ولا استجادة لمادته، حتى يتسنى لهم أن يبيعوه بالثمن القليل الذي لا تعجز عنه طاقة العامة من رقاق الحال وذوي العسرة. ولم يكن هذا الصنف المبتذل من الفالوذج إلا بهرجة صبغ، وتضوُّء بريق فافتضح على الأيام زيفه، وثأرت لأذواقها الألسنة بذمة، فقيل في كل من حسنت جهيرته، ولم تطب سريرته: فالوذج السوق وصارت الكلمة مثلاً سائراً يتناقله الأدباء والشعراء، ومن أمثلة استعماله قول ابن حجاج، وهو الشاعر المزاح السليط الذي ترجم له الثعالبي فأوفى:

أعززْ عليَّ بأخلاق وُسِمتَ بها ... عند البرية يا فالوذج السوق!

وقد أثبت الميداني هذا المثل في أمثال المولدين، وأضاف إليه توأماً له، ذلك هو: فالوذج الجسر. ولا بد أن يكون باعة هذا الصنف الملَهْوَج كانوا يجولون به، فيعرضونه للعامة في الطرق الصادرة والواردة. وبَديه أن من أحفلها بالناس: المعْبَر. فهو ملتقى السابلة من الطبقات العاملة، يغدون على الحاجات؛ ويروحون بالسلَع. فيبلون لهواتهم بالفالوذج المسموع به، الشهي مذاقه، الرائع منظره، ومن ثم شاع اسم فالوذج الجسر، إلى جانب فالوذج السوق، وكانا مثلين لذي المظهر بغير مخبر!

<<  <  ج:
ص:  >  >>