للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفاشستية ومبادئها القومية والاقتصادية]

للأستاذ محمد عبد الله عنان

كانت مبادئ الثورة الفرنسية روح الحركات الدستورية والديمقراطية التي جاشت بها معظم الأمم الأوربية خلال القرن التاسع عشر، وكانت الحريات الدستورية والديمقراطية إلى ما قبل الحرب هي المثل القومية والشعبية العليا. ولكن الحرب صدعت من صرح المبادئ الحرة والإنسانية، ويثبت إلى الأمم والجماعات الأوربية كثيرا من النزعات الرجعية، فاستردت القومية المتعصبة سابق قوتها وعادت الأحقاد القومية إلى سابق اضطرامها، وشغلت الديمقراطية بخلافاتها ومعاركها الداخلية عن مواجهة الخطر الذي يهددها ولم تلبث الحركة الرجعية حتى أحرزت فوزها الأول بقيام الفاشستية الإيطالية، ثم بقيام حكومات طغيان أخرى في أسبانيا وبولونيا ويوجوسلافيا تحتقر الحقوق والحريات الدستورية وتعمل لسحقها، وان كانت مع ذلك لا ترى بأسا من أن تستتر وراءها وتعمل باسمها في أحيان كثيرة. ولم تكن الفاشستية الإيطالية حين قيامها واستئثارها بمقاليد الحكم والسلطان في إيطاليا، سوى حركة محلية قامت في ظروف خاصة، ولم يكن يقدر لها يومئذ إنها ستغدو ذات يوم فكرة قومية تهب ريحها على كثيرا من الأمم الأوربية الأخرى، وإنها ستغدو نظاما عاما للدولة يطبق اليوم في دولة عظيمة أخرى هي ألمانيا مع خلاف يسير في الوسائل والغايات، وتقتبس منه اليوم دول أوربية أخرى كالنمسا التي أصدرت دستورها الجديد على أساس المبادئ الفاشستية، بل تذاع اليوم دعوته في بلاد ديمقراطية عريقة كإنكلترا يقوم بها حزب يدعوا إلى النظام الفاشستي.

وظفر الفاشستية على هذا النحو يدعوا إلى استعراض المبادئ الجوهرية التي تقوم عليها، والظواهر الخاصة التي تتميز بها. ويجب أولا ألا ننسى إن الفاشستية تشترك مع البلشسفية في الاستئثار بجميع السلطات والسيطرة على جميع موارد الدولة، وان الفاشستية من حيث هي نظام طغيان مطلق تشبه البلشفية كل الشبه. بيد إن هنالك فروقا جوهرية بينهما في الوسائل والغايات سنأتي عليها فيما بعد. ودعامة الفاشستية الأولى هي الفكرة القومية، وعليها تقوم جميع مبادئ هذا النظام، واليها ترجع غاياته؛ فالفاشستية ترى أن (الأمة) هي حقيقة طبيعية تاريخية، مثلها الأعلى هو إن أبناء البلد الواحد اخوة تجمعهم رابطة القومية

<<  <  ج:
ص:  >  >>