للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأصل وغيره]

بقلم إبراهيم عبد القادر المازني

أراني أحد الإخوان رواية لكاتب إنجليزي معاصر اسمها (مذنبون بكرههم) وقال اقرأها. وقد اقتنيت نسخة منها، ولكني ما زلت محجما عن قراءتها وإن كان قد مضى يومان وهي على مكتبي تخايلني كلما جلست إليه. وأحسب أن في اسمها ما يصدني عنها. ولست أعني أني أكره القصص التي تتناول الخطيئات والذنوب والآثام، فقلما تخلو رواية من شيء من ذلك، بل يندر أن تخلو حياة من هذا، فإن العصمة (عليا مراتب الأنبياء) وإنما أكره ما يبدوا لي من النفاق أو المغالطة أو الجهل أو المداجاة في هذا الاسم. ولو قال إنهم أخيار أو أطهار أو طيبون بكرههم لكان أشبه بالحق. فإن رأيي أن الإنسان مطبوع على ما نسميه الشر، وليس بمفطور على ما ألفنا أن نسميه الخير وما إلى هذين من صفات قبيحة وطيبة. والذي نعده خيراً ليس أكثر من عادة أو ضرورة، ولكن الذي نقول إنه الشر أصل. وقد صدق النّواسي في قوله:

أنت يا ابن الربيع ألزمتني النس ... ك وعودتنيه، والخير عاده

وقد سألت نفسي غير مرة لو كنت، ومعي ابني - والأبناء فيما يعرف الناس ويحسون أفلاذ أكبادهم - في صحراء جرداء لا ماء فيها ولا شجر، ولم يبق معنا من الزاد إلا كسرة، ومن الماء إلا قطرة، وبرح بنا الجوع والظمأ، فماذا كنت عسى أن أصنع؟؟ أأوثره على نفسي، أم أوثر نفسي عليه؟

وآثرت الإخلاص وصدق السريرة في الجواب فقلت إن أول ما كان خليقاً أن يدور بنفسي هو أن أوثر نفسي على ابني، ولعلي حقيق إذا ثقلت وطأة الاحتمال عليّ أن أقاتله على اللقمة أو قطرة الماء. ومهما يكن من ذلك فان المحقق عندي - فيما أشعر وأعلم - هو أن الخاطر الأول يكون هكذا، أي أن تحدثني نفسي بالاستئثار دون ابني بما بقي لنا. وقد يتغلب العقل وعادة الكبح ولنظام الذي نجري عليه في حياتنا المتحضرة. فيحدث أحد أمرين مثلاً: أن يكون الباقي مما يحتمل القسمة، فاقترح اقتسامه ومن يدري؟ لعلي وأنا أكسر اللقمة الباقية أجور عليه في القسمة؛ وإذا كان الأمر لا سبيل فيه إلى مشاركة، فقد أقول لنفسي إن من قلة العقل أن أخطف الكسرة والماء فأطيل بذلك عمري ساعات، وما

<<  <  ج:
ص:  >  >>