(إذا أصيب الرجل بداء الغفلة فقد الثقة من نفسه، وعاد لا ينظر بعينه، ولا يسمع بأذنه، ولا يفكر بعقله)
أولع ملك من الملوك بالجديد من الثياب، فكان يتأنق في لباسه التأنق كله، وأصبح لا يرى اللذة إلا في الأغراب فيه، وكثرة الإنفاق عليه، وما كان يعبأ بعد ذلك بأمر أمته، فترك الجند هملاً، وهم حصن الأمة وسلسلتها الفقرية، واحتقر علماء الدنيا والدين، وهم مصابيح الكون يضيئون الحياة؛ ويبصرون الناس بسبلها المعوجة وطرائقها العجيبة؛ وكان لا يذهب إلى التمثيل حباً فيه، وإنما ليعرض على الناس زخرف ملبسه وجميل هندامه، وكان لا يخرج للنزهة ترفيهاً لأعصابه واستمتاعاً بجمال الطبيعة، وإنما ليدهش من يقابل، ويثير فيه عاطفتين: العجب من تأنقه، والإعجاب بذوقه.
مرت الأيام هادئة في حاضرة الملك الواسعة، وأخذ يأتيها الناس من كل فج عميق. وفي ذات يوم قدم إلى الملك لصان متشردان، ضربا في فنون الاحتيال السهم، وذهبا في صنوف الخداع كل مذهب، وتظاهرا أنهما أستاذان مبرزان في النسج والحياكة؛ فأقبل عليهما الملك بسمعه وبصره. ثم قالا له:(أيها الملك المعظم، إنا نريد أن نقدم لك خدمة جليلة، إذ أنت بها خليق، وهي بك أنسب، إنا نستطيع أن نعد لك ثوباً شفيفاً جميلاً لا يراه عليك ألا من كان مخلصاً لك، معجباً بك، أو كفؤاً في عمله، قديراً عليه).
فتهلل الملك واستبشر وقال:(لله دركما يا صديقي، ما أكرمكما وما أجمل صنيعكما، إنني ولا شك أصبح بما تنسجان وتحوكان بصيراً بأحوال الخلق جميعاً، فأعرف من كان لا يحسن عمله، ولا يصلح للقيام بما وكل إليه، وأعرف كذلك المخلص من المخادع المداهن، فأبدأ من الساعة بهذا العمل الخطير، وأنا أعرف كيف أجزل لكما العطاء).
ثم أمر الملك أن يعطيا مبلغاً كبيراً من المال، وأُخلي لهما قصر رحيب على مقربة من قصر الملك، ثم انتشر الجند حوله يحرسونهما من اعتداء المعتدين (من غير المخلصين وغير الأكفاء!)
جلس اللصان المحتالان في القصر الجديد، ونصبا المناسج والأنوال، وتظاهرا بالجد في العمل، والمثابرة التي لا تعرف الملل، وطلبا من الحرير أرقه وأنعمه، ومن الخيوط الذهبية أدقها وأنقاها، فجئ لهما بما أرادا؛ ولما انفردا في المكان وضعا الحرير والخيوط وما أخذاه