من المال في حقيبتيهما، وجلسا إلى مناسجهما القائمة يديرانها على لا شيء، لا خيط عليها ولا قطعة حرير، يديرانها بهمة غير محدودة الليل كله، والملك في قصره ساهر يسمع أزير المناسج والأنوال، وهي لا تضعف ولا تخمد. وأخذ النعاس يغالب جلالته حتى غلبه وأخضعه لسلطانه، ولم بنزح عنه حتى تنفس الصبح، وجلا الليل جلاء تاماً، فقام الملك مسرعاً إلى نافذته، تواقا إلى معرفة ما قد تم، وأخذ يقلب وجوه الآراء فيمن يبعث، فقر رأيه على رئيس وزارئه، وما كان أخلص منه ولا أكفأ في نظر الملك.
كلف الوزير الأكبر بهذه المهمة الشاقة، فانطلق في سبيله واثقاً من نفسه، ودخل على الدجالين الكاذبين فوجدهما يتصببان عرقاً، ويديران المناسج الفارغة بالقوة والعزم اللذين يميزان عمل المخلصين المصممين على النجاح، فدهش الوزير الجليل وقال في نفسه:(ماذا أرى؟ أيمكن أن أكون غير مخلص للملك أو غير جدير بمكانتي الاجتماعية العالية؟ أيمكنأني لا أرى ولو قطعة صغيرة من الخيط أو الحرير على هذه المناسج القائمة الدائرة. لله ما أشقاني!) ثم صدر من اللصين سؤال قطع عليه تفكيره الصامت، إذ طلبا منه أن يقترب قليلاً من المناسج ويخبرهما برأيه في اتساق الألوان، ودقة التطريز وجمال الأشكال، ثم أشارا في الوقت نفسه إلى مناسجهما الفارغة.
اقترب الوزير الخطير ووضع منظاره على عينيه ليري ما لم تبصره عينه المجردة. نظر فلم ير شيئاً. ثم رجع البصر كرتين فعاد البصر إليه خاسئاً وهو حسير. اتهم الرجل نفسه وكفايته ودب الحزن في قلبه. وقال في نفسه: لا لا! لا يمكن أن يعرف الناس عني أنني غير مخلص أو غير كفء، ولن أعترف أبداً أني ما رأيت النسيج الشفاف.
لم يكد السيد الرئيس يفرغ من خاطرته المشجية المضحكة حتى فاجأه أحد المحتالين بقوله:(سيدي، يظهر أنك لا تبصر محاسن ما قد صنعنا.) فأجابه الوزير: (لا أبصره!! ومن ذا الذي يستطيع الإبصار اذن؟ ما أبدع ما أرى وما أدقه، بنفسي تلك الألوان المتسقة. وهذه التصاوير الرائعة. و. . و. . . نعم سأخبر الملك سريعاً بهذا البدع وهذا التفنن) فشكره اللصان شكراً جزيلاً على حكمته وكفايته. وأخذا يشرحان له الأشكال المختلفة الموهومة. ويذكران أسماء الألوان. ويبينان مواضع الحسن في ذلك القماش الخيالي. والوزير يصغي إليهما ويهز رأسه لبعض ما يسمع حتى يسرده على الملك عند عودته حرفا بحرف