رجع الوزير والهم حليفه إلى الملك، وأخذ يصف ذلك الجمال الذي سمعه بأذنه. وعجز عن رؤيته بعينه. والملك يترنح عجباً وسروراً. وفي اليوم التالي بعث الملك ضابطاً من ضباطه الذين سمعوا وصف الوزير وإعجابه بما شهد. فذهب الرسول ولم ير من المناسج إلا خشبا قائما لا شئ فيه. ولكنه اتهم عينيه واتهم كفايته وأخذ يفكر تفكيراً هو الحريق الداخلي ويقول لنفسه:(لا شك أني غير كفء لمكانتي ذات الأجر الكبير. أف ما أتعسني! كيف أعجز عن إبصار ما رآه السيد الرئيس وافتتن به؟ لا يجوز أن يعلم أحد عني ما أعلمه الآن من نفسي.) ثم ارتفع صوته فجأة بالإعجاب والمديح، وعاد إلى الملك يبالغ في الثناء. فازداد الوزير (وكان حاضراً) اتهاماً لنفسه وكفاءته. وسر من كذبه الصالح. ثم عزم الملك على زيارة تلك المناسج العجيبة. فقام مع حاشيته ورئيس الوزراء والضابط الممتاز وذهبوا إلى اللصين جميعاً
دخلوا حجرة اللصين فصاح الوزير الأكبر صيحة العجب والإعجاب:(ما أجمل ذلك الزخرف. وما أدق هذه الصنعة! وما أبدع تلك الألوان المتداخلة. وتلك الأشكال المتماثلة.) ثم صاح الضابط: (يا الله! ما كنت أحسب قبل اليوم أن في طاقة الإنسان أن يعمل كل هذا البدع: ثوب شفيف مطرز. وبالأشكال الجميلة مزخرف. وهو مع ذلك لا تراه إلا عيون المخلصين والأكفاء، ولا تلمسه الأيدي ولا تدركه الظنون.)
فوجم الملك وقال في نفسه:(ما هذا؟ ألا أرى شيئاً؟ إنها لمصيبة كبرى؟ هل يمكن أن أكون معتوهاً أو غير خليق بالملك؟ لا. لابد أن أسدل على الأمر ستار الخفاء.) ثم صاح (حقاً ما أجمل ذلك القماش! إني راض عنه الرضى كله) ثم ابتسم وحدق في المناسج الفارغة. ولكن هيهات لنفسه الضعيفة أن تنكر وجود شيء أقره رجلان من كبار رجاله!! وانطلق رجال الحاشية يحدقون كذلك ويصيحون: بديع! مدهش! فخم! عجيب! رائع! تلك كانت الصفات التي أخذت ترن في أنحاء المكان الواسع. ثم عطف الملك على الحائكين وأجزل لهما العطاء ورفعهما إلى الدرجات العالية، وقرر الملك أن يلبس تلك الحلة الرائعة ويسير في موكب فخم في أنحاء المدينة يعرضها على الأنظار. .
جاء يوم الاحتفال - ذلك اليوم المشهود - فخرج الناس من منازلهم، وساروا زرافات في الطرق، حتى فاضت بهم السبل، وكأن الأرض صفحة كتاب، سطورها الشيوخ والشباب.