قمت أجمع ما تفرق في مكتبتي من أعداد (الرسالة)، فإذا بعدد منها غلافه لم يفض هو العدد (٤٤١). فضضته وجعلت أقرأ ما استرعاني من فهرسه، فبدأت بما كتبه الأستاذ احمد صفوان بعنوان (غلطة مفسر كبير)، وإذا المفسر الكبير هو الإمام أبو بكر بن العربي، وإذا به يورد من سورة التوبة آية على غير نصها، فأبدل كلمة مكان كلمة - غير عامد طبعاً - وجعل يفسر الكلمة التي أبدل كأنما هي الكلمة التي أنزل الله. والآية القرآنية هي:(وإن أحد من المشركين استجارك فأجِرْه حتى يسمع كلام الله ثم أبلغْه مأمَنه، ذلك بأنهم قوم لا يعلمون). فجعل الإمام أبو بكر كلمة (لا يعقلون) مكان (لا يعلمون) وطفق يفسر وعلل لماذا نفى الله عنهم العقل. . . إلى آخر ما روى له الكاتب الفاضل الذي نبه إلى هذه الغلطة الفذة
والغلطة في ذاتها مألوف مثلها في التلاوة حين يتلوا الحافظ غير المتمكن عن ظهر غيب تلاوة من لا يتتبع المعنى ولا يتفقه وهو يقرأ. لكنها غلطة نادرة من مفسر إمام مفروض أنه يستوثق من النص قبل أن يبدأ التفسير. لكن الإمام أبا بكر ابن العربي غفر الله له اعتمد على ذاكرته فيما يظهر فخانته هذه اللفظة، وكان حسن الظن بحفظه فيما يبدو فلم يسترعه أي تفاوت في المعنى يحمله على الرجوع إلى المصحف للتأكد من النص
والواقع أن أمثال هذه الغلطة من إمام مفسر، وبعد ما بين المعنى على أصله والمعنى بعد تحريفه، من أقوى الدلائل عندي على أن القرآن ليس من عند بشر وأنه من عند خالق البشر، فشتان بين المعنى لو كان النص كما أورده ابن العربي وبينه كما ورد في القرآن الكريم. شتان بين تعليل أمر الله نبيه أن يجير المشرك حتى يسمع كلام الله ثم يبلغه مأمنه بأن المشرك لا يعقل، وبين تعليل ذلك بأن المشرك لا يعلم. فمن المعقول من الحكمة أن يجار المشرك الذي لم تبلغه الرسالة حتى تبلغه على وجهها بسماع كلام الله، ثم من المعقول ومن الحكمة بعد إذ سمع كلام الله أن يبلغ مأمنه ويترك لنفسه ليتدبر ما سمع بعقله غير مروع ولا خائف، ثم هو بعد ذلك وما يختار لنفسه، فإذا دخل في الدين دخل غير مكره، وإذا لم يدخل عن اختيار، ولكل جزاؤه، إن دخل كان أخاً لجميع المسلمين، وإن لم يدخل كان عدواً ينفذ فيه ما أنزلت سورة براءة من أجله. ولكن المهم أن مدار ذلك جعله الله