عبقرية الإسلام عنوان وضعته لكتاب اشتغلت بإعداده منذ اشتغل العالم بهذه الحرب. وكان الذي وجه فكري إلى هذا الموضوع ما وقع فيه الناس كافة من هذا التفاني الذريع لأسباب لا يصعب حسمها على العقل الأصيل. وبداهة الرأي أن نرجع إلى ما شرع فاطر الأرض وواهب الحياة ومنزل الوحي، بعد أن عجز الذين طاولوه في ملكه من دهاقين الحكم واساطين العلم عن قسم رزقه بين أشتات خلقه. وما كان لبشر سليم الفطرة ليرتاب في أن الذي برأ الخلق على اختلاف في القدرة والحيلة، وأنشأ الغرائز على اتفاق في الطمع والغيلة، هو أعلم بما سينشأ في كونه من تصادم القوى وتعارض الأهواء؛ فلا جرم أن يكون شرعه دستوراً كاملاً تصلح عليه شؤون الفرد وأحول الجماعة من كل جنس وفي كل عصر وعلى كل أرض
ولقد كانت إدامتي النظر والفكر مدى هذه السنين الأربع في مصادر الإسلام الصافية مصداقاً لهذه الفكرة؛ فإن غير الله لا يملك أن يضع في الإسلام هذه الأسس والقواعد التي تضمن نظام العالم وسلامه. وهل كان - لولا وحي الله - في مقدور رجل أمي نشأ ربيب اليتم والعدم في قرية جاهلة من قرى الحجاز الجديب أن يعلن في أوائل القرن السابع حقوق الإنسان وحرياته، وهي التي أعلنت بعضها بالأمس فرنسا نتيجة لتلك الثورة، وتمنت بعضها اليوم أمريكا غاية لهذه الحرب؟!
عبقرية الإسلام هي ذلك الإشراق الإلهي الذي انبثق من غار حراء فكشف للرسول عن أطوار النفس البشرية في طوايا الغيب فدعا دعوته الخالدة إلى تكريم الإنسان وتنظيم العمران وتعميم الخير وتحقيق السعادة، من طريق التوحيد، والمؤاخاة، والمساواة، والحرية، والسلام. فالتوحيد سبيل القوة، والمؤاخاة سبيل التعاون، والمساواة سبيل العدل، والحرية سبيل الكرامة، والسلام سبيل الرخاء. وتلك هي الغايات التي ترجو الإنسانية بلوغها عن طريق العلم والمدنية فلا تتكشف أماليها بعد طول السري وفرط اللغوب إلا عن سحاب خلب وسراب خادع
هذه المبادئ المثالية التي تضمنتها دعوة الإسلام معلومة من القرآن بالنصوص الصريحة، فلا موضع فيها لتأويل أو تحميل أرتعسف. فالتوحيد ركن من أركان الدين وعنوان من عناوينه وهو من الكلم الجوامع التي وعت جوهر الإصلاح وسر النجاح لكل مجتمع وأمة.