هو توحيد الله، وتوحيد العقيدة، وتوحيد الغاية، وتوحيد اللغة، وتوحيد الحكم، وتوحيد التشريع، وتوحيد الدين والدنيا. وشواهد التوحيد في أشتات معانيه مذكورة في كتاب الله لا يختلف في مدلولها أحد
وفكرة الوحدة الإنسانية هي مزية الدعوة المحمدية على كل دعوة. وفي سبيلها صدق الإسلام بكل دين أنزل، وبكل نبي أرسل، ودعا الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً إلى خطة واحدة وكلمة سواء. ثم وصل الدين بالدنيا، وكانت اليهودية والنصرانية تفصل بينهما؛ فالأولى كان همها الصفق والاجتراح، والأخرى كان سبيلها الرهبانية والتنسك. ولكن الإسلام جعل الدين للدنيا كالروح للجسد، فلا تعمل إلا بوحيه، ولا تسير إلا بهديه. ثم آخى بين المؤمنين ليجتمعوا على صدق المودة، ويتعاونوا على لأواء العيش، فلا يبغي قوي، ولا يبخل غني، ولا يظلم متسلط. بدأ ذلك بالتأليف بين الأوس والخزرج، والمؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين؛ ثم توثقت عرى الإخاء بين المجاهدين في سبيل الله حتى صار المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وأصبح هؤلاء الإخوان القلال الضعاف في بضع سنين أئمة للناس وورثة لكسرى وقيصر!
كذلك في سبيل الوحدة الإنسانية والأخوة الإسلامية فرض الإسلام الزكاة، وشرع الحج، وأمر بالإحسان والبر، ثم سوى بين الناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم في الحقوق والواجبات، بمحو العصبية الوطنية، وقتل النعرة الجنسية، وجعل التقديم والتكريم للتقوى، فقال الرسول الكريم في خطبة الوداع:(إن ربكم واحد، وأن أباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. إن أكرمكم عند الله أتقاكم. لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى)
في هذه الأصول الإسلامية كما ترى أفضل ما في الديمقراطية، وأعدل ما في الاشتراكية، وأجمل ما في المدنية، فهي حرية أن تصلح ما فسد من أمور الناس، وتقيم ما اعوج من نظام الدنيا. ولقد كانت كذلك يوم كان لحماتها دولة ولدعاتها صوت ولمعتقديها يقين. فلما دالت الدولة، وخشع الصوت، وأراب اليقين، تمزق المسلمون قطعاناً في فدافد الأرض لا مرعى يجود، ولا راع يذود، ولا حظيرة تؤوي. ثم كانوا بتخلفهم عن ركب الحياة حجة على الإسلام في رأي السفهاء من مرضى الهوى أو الجهل، فصموا عن دعائه، وعموا عن ضيائه. فليت شعري متى يتاح لدعوة محمد من يجدد حبلها، وينشر فضلها، ويقول لأولئك