في مقال سابق لنا، ذكرنا أخبار (خزانة الرؤوس) في دار الخلافة العباسية ببغداد، وما ضمته رفوفها من رؤوس لعب أصحابها أدواراً خطيرة في ميادين السياسة والإدارة والفكر.
وها نحن أولاً ننتقل إلى بحث آخر ذي صلة بهذا الموضوع، (وهو إشهار الرؤوس المقطوعة في أيام العباسيين) وذلك في مختلف البلدان الإسلامية فنقول:
أولاً - نصب الرؤوس في سامراء
١ - رأس الخليفة المستعين بالله:
تنكر الأتراك للمستعين لما قتل بعض أعيانهم مثل: وصيف وبغا، ونفي باغر التركي الذي فتك بالمتوكل، ولم يكن له مع رصيف وبغا أمر حتى قيل في ذلك:
خليفة في قفص ... بين وصيف وبُغَا
يقول ما قالا له ... كما تقول الببغا.
وانحل أمره بعد وقعات كثيرة، فخلع نفسه وأحدر إلى واسط فأقام بها تسعة أشهر محبوساً، ثم رد إلى سامراء ولم يبلغها حتى حز رأسه، فقال المسعودي:(ولما كان في شهر رمضان من هذه السنة، وهي سنة وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، بعث المعتز بالله سعيد بن صالح الحاجب ليلقي المستعين، وقد كان في جملة من حمله من واسط؛ فلقيه سعيد وقد قرب من سامراء فقتله واحتز رأسه وحمله إلى المعتز بالله، وترك جثته ملقاة على الطريق،. . . . وذكر شاهك الخادم، قال: كنت عديلاً للمستعين عند إشخاص المعتز له إلى سامراء ونحن في عمارية، فلما وصل إلى القاطول تلقاء جيش كثير، فقال يا شاهك أنظر من رئيس القوم؟ فإن كان سعيد الحاجب فقد هلكت. فلما عاينته قلت هو والله سعيد، فقال إنا لله وإنا إليه راجعون. ذهبت والله نفسي وجعل يبكي. فلما قرب سعيد منه جعل يقنعه بالسوط ثم أضجعه وقعد على صدره واحتز رأسه وحمله. . .).