تدخل (الرسالة) في عامها التاسع والموكب البشري لا يزال منقطع السبيل، ترجف جموعه الجرارة على هوة من هُوى العدم لا يدرك نهايتها الطرف، ولا ينير غَيابتها الأمل، ولا يهتف في جنباتها الموحشة إلا زبانية الردى وأبالسة الشعر! وكان الظن بالعقل الذي عَّبد الجبال وذلل الرياح وسخر الأبحر أن يمهد للناس طريق الحياة فلا يضلوا هذا الضلال، ولا يهلكوا هذا الهُلك؛ ولكن الله الذي خلق العقل كان يعلم انه مهما تقدم وتعلم لابد مفتقر الى وحيه وهديه. وماذا يصنع العقل المحدود المدى والطاقة إذا شغبت به الأهواء وتمردت عليه الغرائز؟
لم يدخل العالم مع الزمن في مرحلة جديدة من عمره الطويل، ولكنما
سار الزمان ووقف الإنسان؛ وقف أمام عقبة كأداء من الكفر بالدين كله
وبالحق كله، تقاطرت على صخورها الصم دماؤه، وتناثرت على
ثناياها الحداد أشلاؤه، والفلك السائر يرقب على مدار العام بني آدم وقد
هاج بهم الضلال فتراشقوا بما في أيديهم وخزائنهم من طيبات الرزق
وثمرات الحضارة وبُلَغ الحياة؛ ولا يعلم غير الله متى تجتاز الهوة
الغامضة وتُذلل العقبة الكؤود، فإن منطق الناس لا تغنى أقيسته مادامت
الأمور تجري على الهوى، وتقوم على الباطل، وتعتمد على القوة!
أجل تدخل (الرسالة) في عامها الصحفي التاسع، ولكنها في عمرها الطبيعي ظلت كما ظل العالم كله واقفة على حدود العام الماضي لاتجد قسطها من النمو والبدانة، لأن الحرب التي ضربت بكل شر وأضرت بكل شيء، كانت أقسى ما تكون على الصحافة: قطعت عنها الوارد من الورق حتى بلغ ثمنه أثنى عشر ضعفاً، فنقصت في الكيف والكم، بقدر ما زادت في النفقة والهم؛ وقطعت عليها السبيل إلى الأقطار الأخرى بصعوبة النقل وشدة المراقبة وعسر المعاملة، فتعذر وصولها إلى البلاد المحاربة، وقل انتشارها في الأقطار البعيدة؛ وشُغل الناس بأخبار الحرب وأفكارها وأوزارها وأطوارها عن النظر في الأدب اللباب والفن الخالص، فلم يقرءوا إلا ما يتصل من قريب أو بعيد بهذه القيامة القائمة. ولم يكن