للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حرية أحرار. . . وحرية عبيد]

(إلى الإنسان الحر عباس محمود العقاد)

للأستاذ نظمي لوقا جرجس

هل رأيت حماراً سعى يوماً إلى غير طعام أو شراب أو ضراب؟ لا أظن!

فما لغير هذا (تسوقه) طبيعته وضرورات حياته! وهو لا حياة له وراء هذه الضرورات، ولا مذهب له غير أن تقضي من أقرب سبيل وعلى أيسر وجه

هكذا جميع الحمير من جميع الأجناس. . . ذوات الأربع منها وغير الأربع على السواء!. . .

يعضه الجوع، أو ينخسه في الحين بعد الحين. . . ولكنه مركوب للجوع في جميع الأحيان؛ فهو حين ينقصه الطعام مشغول بالبحث عنه، وهو مشغول وقت حضوره بالإقبال عليه بالقلب والسمع والبصر. ولا شغل بعد هذا ولا انشغال، إلا أن يكون انتظار فراغ جديد يملؤه في غير فتور ولا ملال. فهو جائع حين تخلو معدته من الطعام فتطالبه به، وهو جائع كذلك والطعام ملء معدته وبين يديه. إنه جائع على الدوام، ولا ذنب له في قلة الخلاء أو ضيق الأمعاء! هذا مخلوق، الجوع محور حياته وفلكها الذي فيه تدور!

وغير جائع - وإن جاع حياته كلها! - من تتلوى أحشاؤه، لأنها لم تحظ منذ أيام بما يقيم الأود، لأنه إذا حضر الطعام وسكتت المعدة كانت له في الحياة أشواط ليست كلها قضاء ضرورات ولبانات، وإن كانت كلها إرضاء نفس تطلب الكمال في تحقيق ذاتها، باعتبارها معنى قائماً بذاته في الحياة، ونغمة مستقلة في الوجود

فالنفس الحية بمعنى الكلمة هي التي لها معنى خاص لوجودها. وهي التي تحس في أعماقها دوافع ذاتية مستقلة عن دوافع الحياة الخارجية وموانعها

الحجر بغير (حركة) ذاتية. . . لأنه لا يتحرك بذاته وإنما بحركة غيره

والحيوان (حركة) ذاتية. . . لأنه يتحرك بذاته وليس بحاجة إلى غيره كي يتحرك

والحمار بغير (دوافع) ذاتية. . . لأنه لا يريد وإنما تريد له خلقته الشائعة بينه وبين أفراد نوعه

والشخص ذو دوافع ذاتية، لأنه يريد بوجه خاص بخلاف الطبيعة الشائعة بين جميع الأفراد

<<  <  ج:
ص:  >  >>