اطلعت باهتمام على المناقشات المختلفة العنيفة التي دارت رحاها في الصحف، وبخاصة مجلة (الرسالة) الغراء، حول الإصلاح الاجتماعي في مصر والوضع الصحيح له. ولست أبالغ إذا قلت إن معظم الكتاب النابهين الذين أداروا تلك المناقشات - مع احترامي الشديد لهم، وتقديري العميق لنبل مشاعرهم وسمو أهدافهم - كانوا ينظرون إلى مشاكلنا الاجتماعية من زواياها الأدبية والوجدانية والمثالية الحالمة، مما يجعل كلامهم وأفكارهم أدنى إلى الفلسفة والأدب منه إلى الاجتماع أو (الطب الاجتماعي). وفي اعتقادي أن تناول المشاكل الاجتماعية بهذه الطريقة غير موصل حتماً إلى الغرض المطلوب، وهو تبرئة المجتمع المريض من علله وأسقامه. بل لست أبالغ - أيضا - إذا قررت أن تلك الطريقة تبلبل أفكار الشعب، وتشوش أمانيه، وتهيج خواطره، لأنها لا تضع إصبعها على مكمن الداء الحقيقي ولا تصف الدواء. وما سمعنا يوماً، ولا أظننا سنسمع أن مريضاً - والمعضلات الاجتماعية أمراض نفسية حقيقية - شفي بقصيدة عصماء، أو بمقال بليغ!
وبهذه المناسبة أذكر أن (الطب الاجتماعي) فن حديث له أصول وقواعد ودراسات فنية منظمة كسائر الفنون
ومشاكلنا الاجتماعية قديمة ومعقدة إلى حد محزن. ويخطئ الذين يظنون أن (الفقر) وحده هو أساس كل هذه المشاكل فيخصّونه بالمقالات الطويلة المسهبة، والأبحاث المستفيضة الدسمة؛ فالفقر نتيجة لعلل اجتماعية أخرى وليس سبباً. وعليه يجب أن نوجّه أنظارنا وجهودنا إلى جذور هذه المعضلة الاجتماعية لا أن نكتفي بقصقصة أطرافها، وتشذيب حوافها المدببة. وقيل إن مشاكلنا الاجتماعية الكبيرة تكوَّن مثلثاً متساوي الاضلاع، مؤلفاً من الفقر، والجهل، والمرض. وتفاعل هذه المشاكل الثلاث الحية ينتج عصير الشقاء الذي تتجرعه الأغلبية الساحقة من سكان هذه البلاد. وفي يقيني أن مشاكلنا الحقيقة أربع وليست ثلاثاً، إذ يجب أن تضاف إليها مشكلة الانحلال الخلقي المتفاقمة يوماً بعد يوم. فإذا نظرنا إلى هذه المشاكل الاجتماعية الأربع مجتمعة كنا أقرب إلى الصواب
وإذا كنت قد ذكرت أن الفقر نتيجة لا سبباً فهو ليس كذلك في كل الأحوال؛ فكما أن الجهل