للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أحمد محرم!]

للأستاذ عبد الحفيظ نصار

في يوم الأربعاء ١٤ يونيو ١٩٤٥م بمدينة دمنهور توفي الشاعر الكبير الأستاذ أحمد محرم في بيته المتواضع، وهو الشيء الوحيد الذي كان يملكه في ذلك البلد الذي قضى فيه جلّ حياته فلم يهتم أحد لموته كما لم يهتم أحد لحياته. . . ومع ذلك كانت له ثروة شعرية تضعه في صف أعلام الأدب العربي الحديث.

ولد الشاعر في (إبيا الحمراء)، وهي إحدى قرى مركز الدلنجات ولم نهتد بعد إلى تأريخ دقيق لميلاده، وإن كنا نقطع بأنه مات وهو في العقد السادس من عمره. وانتقل به والداه وهما من أصل شركسي إلى الحوشة، وهي إحدى القرى الكبيرة بذلك المركز، حيث كان يشتغل والده مشرفاً على إدارة إحدى المزارع الواسعة لأحد كبار الملاك، ومن ثم استحضر له والده، وكان رجلا ديناً مستعرباً، معلمين يحفظانه القرآن والشعر ويعلمانه قواعد النحو واللغة، وهذا كل ما تلقى من تعليم عن طريق المعلمين. لم يذهب إلى المدرسة أو إلى الأزهر كما كان يذهب غيره من أبناء ذلك العصر. ولما كبر واتسع أفق تفكيره، استطاع أن يعب من المعارف والعلوم العربية والإسلامية قدر الإطاقة، ولقيت تلك المعارف تربة ذكية وجواً ملائماً. . . فهذه هي الصحراء التي تغنى بها شعراء العرب، وهذا لون من ألوان المعيشة شبيه إلى حد كبير بالمعيشة التي كان يعالجها سكان الجزيرة العربية.

وهذه القرية الجميلة القائمة وسط المزارع التي تترامى من ورائها الصحارى كالواحة يجد فيها المعتسف والساري القرى والغذاء والظل والماء تحت ذلك النخيل الباسق! ومع ذلك لم تقيده بيئته ومعارفه بالماضي العربي المجيد وحده فعاش فيه ومن أجله، بل عاش وفكر في آفاق أخرى وراء أفق بيئته ومعارفه - إذ كان يتردد على المدينة (دمنهور) فيقرأ فيها الصحف، ويشتري منها الكتب، ويسمع منها الأخبار التي لا تحملها إليه الصحف والكتب، أخبار الإنجليز في مصر والإنجليز في السودان، وأخبار ذلك الشاب المشتعل حماسة ووطنية مصطفى كامل وما تؤمل مصر من وراء حماسته ووطنيته وسعيه في فرنسا واستنبول. . . فكان لتلك الأحداث التي عمت العالم الإسلامي نتيجة لضعف (الرجل المريض) وطمع الأجانب في ممتلكاته أثرها العميق في نفسه، فإذا به يرسل الشعر العربي

<<  <  ج:
ص:  >  >>