للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحديث ذو شجون]

للدكتور زكي مبارك

مكانة الأديب في الجهاد - أدب المعاش - نفحة سودانية

مكانة الأديب في الجهاد

اقترح أحد النواب المحترمين إحياء ذكرى (شوقي) بإقامة تمثال له في أحد شوارع القاهرة، وتلك التفاتة لطيفة تدل على قيمة الشعر في أنفس بعض النواب

ولكن أديباً فاضلاً تعقب هذا الاقتراح في جريدة (الدستور) فقال: يجب أولاً إقامة تمثال لمحمد فريد، وتمثال لمحمد عبده، وتمثال لقاسم أمين، قبل أن يقام تمثال لأحمد شوقي أو حافظ إبراهيم

ولا بأس بهذا الكلام، ولكن الأديب الفاضل علله فقال: نحن في عصر السيادة فيه للشجاعة والبأس، والعبادة فيه للبطولة والأبطال، لا للفن والجمال، وكل مقتحم ميداناً، وداك سوراً، ومنتزع نصراً، مقدم على من يجلس فوق رابية آمنة، ليرسل من قيثارته ألحاناً مشجية

ومعنى هذا التعليل أن أمثال محمد عبده ومحمد فريد كانوا جماعة من المجاهدين، وأن أمثال أحمد شوقي وحافظ إبراهيم كانوا جماعة من المغنين!!

ومن يعش في مصر ير العجب، وإلا فكيف يجوز القول بأن صورة الشاعر هي صورة (من يجلس فوق رابية آمنة، ليرسل من قيثارته ألحاناً مشجية)؟ وكيف يجوز القول بأن الشعراء ليسوا إلا جماعة يسبحون للفن والجمال، ولا صلة لهم بالبطولة والأبطال؟

إن هذا الناقد لا يعرف كيف يحيا الشعراء، ولا يفهم من الشعر إلا أنه غناء، والأدب عنده متعة ذوقية يلهو بها الفارغون من أهل العبث والمجون

فمتى يعرف أهل مصر أن حامل القلم هو الوطني الأول، والمجاهد الأول، وأن معاني البطولة تعتلج في صدره قبل أن تعتلج في صدور القادة والزعماء؟

وما أساس البطولة الحقيقية عند أمثال: محمد فريد ومحمد عبده وقاسم أمين؟

أساسها الفكر والبيان، ويجب حتماً أن نضيف هؤلاء إلى الأدباء قبل أن نعدهم زعماء، فما ارتفعوا إلا بالفكر المشرق والبيان الجميل

<<  <  ج:
ص:  >  >>