للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صيام رمضان]

وموازنة بصيام الثلاثين عند الصابئة والمانوّية

للدكتور علي عبد الواحد وافي

لا نعلم على وجه اليقين متى نشأت فكرة الصوم في المجتمعات الإنسانية، ولا نكاد نعرف شيئاً يعتد به عن الأسباب الأولى التي دعت إليه، كما أن ما وصلنا عن النظم الدينية للأمم الغابرة، لا يرشدنا إلى أول شريعة جاءت به، ولا يقفنا على أول شعب ظهر فيه. وكل ما يذهب إليه بعض الباحثين بصدد هذه الأمور يتألف من آراء فطيرة تعتمد في بعض نواحيها على الحدس والتخمين، وفي نواح أخرى على حجج ضعيفة قلقة، لا يطمئن إلى مثلها المنطق السليم.

غير أنه مما لاشك فيه، أن الصوم من أقدم العبادات الإنسانية، ومن أكثرها انتشارا. ً فلم يكد يخلو منه دين من الأديان، ولم يتجرد عنه حياة شعب من الشعوب: جاء بملل الطوطميين والمجوس والوثنيين والصابئين والمانوية والبوذيين وعبدة الكواكب والحيوان، كما جاء بشرائع اليهود والنصارى والمسلمين

وقد اختلفت أشكاله باختلاف الأمم والشرائع، وتعددت أنواعه بتعدد الظروف المحيطة به والأسباب الداعية إليه، فمنه ما يكون بالكف عن الأكل والشرب والاتصال الجنسي والكلام، ومنه ما لا يقتضي إلا الكف عن الأكل والشرب، ومنه ما يتطلب الكف عنهما وعن الاتصال الجنسي، أو عنهما وعن الكلام. . . والإمساك عن الأكل والشرب يقع على وجوه كثيرة، فمنه المطلق الذي شمل جميع المأكولات والمشروبات، ومنه المقيد الذي يتم بالكف عن بعض أنواعهما، وهو بجميع ضروبه يقتضي حرمان الجسم حرماناً اختيارياً من بعض حاجاته الطبيعية. . .

ومن أنواع الصيام ما يقتضي الإمساك عن هذه الأمور اليوم كله نهاره وليله، ومنه ما لا يقتضي الإمساك إلا نهاراً أو شطراً من النهار، ومنه ما يبدأ بغروب الشمس ويستغرق الليل كله، أو شطراً منه

ومن أنواع الصيام ما يكون متتابعاً يجري في أيام متتالية، ومنه ما يكون مقصوراً على يوم واحد أو ليلة واحدة أو جزء من يوم أو ليلة، ومنه ما شرع في أيام غير متتابعة يفصلها

<<  <  ج:
ص:  >  >>