ذلك عنوان الكتاب الفريد الذي أخرجه للناس في هذا الأسبوع صديقنا الكاتب الشاعر المؤرخ الأستاذ محمود العقاد الخفيف، عن زعيمنا الوطني الأبي المجاهد المظلوم أحمد عرابي. هذا الكتاب هو الحق الذي اختفى منذ خمسة وستين عاماً لم يظهر في خلالها على لسان ولا قلم، حتى ظهر أخيراً على ضوء هذا اليراع النبيل رائع البيان ساطع الحجة. والحق كالصبح لابد أن ينبلج مهما تطاول الليل وأحلو لك ظلامه.
استبهمت معالم الحق في قضية الضابط الفرنسي (دريفوس) اثنتي عشرة سنة حتى جلاء الكاتب الجريء أميل زولا، فاجبر القضاء العسكري على رد اعتباره، وإطلاقه من إساره.
واستعجمت معالم العدل في قضية عرابي ثلثي قرن حتى أبانه الكاتب النزيه محمود الخفيف، فإذا عرابي زعيمنا الصادق، وقائدنا الشجاع وموقظنا المبكر!
تاريخ عرابي هو تاريخ الثورة الوطنية والنهضة القومية، و (المسالة المصرية) والنكبة الإنجليزية وقضية الوادي كله. فإذا كتب على النهج الواضح، والمرجع الثقة، والاستقصاء المحيط، والتمحيص الكاشف والاستنتاج الصحيح والتحليل الدقيق، والتعليل الصائب، والتبويب المحكم، كان لمصر من هذا التاريخ يضئ لها جوانب الطريق إلى (مجلس الأمن)؛ لأن عرابي هو اليد البريئة التي سخرها القدر لكشف الستار عن مأساة الاحتلال، والنقراشي هو اليد الجريئة التي يهيئها الله اليوم لإرخاء الستر على فصاها الأخير. ومن المحال أن تدرك مرامي الرواية إذا نمت عن بعض الحوادث أو غبت عن بعض الفصول. والأستاذ الخفيف قد اجتمعت له في هذا الكتاب أولئك المزأيا؛ فهو من حيث المادة لم يدع مصدرا يعول عليه من المؤلفات والمذكرات والمقالات والوثائق والرسائل والأحاديث إلا استمد منه بعد النظر النافذ والموازنة العادلة، ومن حيث الطريقة قد اتخذ المنطق ميزانا يأخذ به ويعطي، فهو يروى بالنص الصريح ويدعي بالدليل الناهض ويقنع بالحجة العالية، ويدافع بالحق المبين ويستقرى فيحسن الاستقراء ويستنتج فيجيد الاستنتاج ثم جعل همه منذ اللحظة الأولى تبرئة الجندي الثائر، فسلسل الوقائع والفصول سلسلة المقدمات الصحيحة ثم خرج منها بالنتيجة التي لا موضع فيها للشبهة. ومن حيث الأسلوب قد اختار اللفظ السائغ والنظم المتسق والسياق المطرد، والمعرض الجذاب حتى ليستولي على القارئ العجلان فيمعن فيه لولا أن الكتاب ستمائة صفحة والقيظ مقلق والصيام مرهق، ولكنه على كل حال