قال لي صديق من أدباء الأقباط أعرف فيه رزانة العقل ورزانة الطبع، وقد جرنا الحديثإلى ما يكابده هذا البلد المسكين من شهوات أبطلت الحق، ونزعات قلقلت الأمن، ونزعات بلبلت العقيدة:(ألم يكن من الخير لمصر ألا يكون فيها إلا إخوان مصريون لا مسيحيون ولا مسلمون لتدوم الوحدة وتزيد الألفة؟ لقد نقمنا من المبشرين أنهم أنبتوا في القاهرة فرعاً (لجمعية الشبان المسيحيين) وكنا نود ألا يجاريهم في مثل ذلك الذين أنشئوا (جمعية الشبان المسلمين) فإن الأمر لا بد أن يجري في الجمعيتين على حكم العصبية الدينية، وفي هذه العصبية توهين للصلات الطبيعية التي تصل المواطن بالمواطن، وإن كان هذا التوهين لا يزال ضعيف الأثر لغلبة العوامل الرياضية والثقافية على نفوس الأعضاء في هاتين الجماعتين. ولكني أصارحك ولا أداجيك أن ما نخشاه من (الإخوان المسلمين) أبعد في الأثر وأقربإلى الخطر مما نخشاه من أي حزب ومن أي جماعة ذلك لأن الإخوان ميدانهم أوسع ودعوتهم أسرع ووسائلهم أنقذ وغايتهم أبعد. إنهم يريدون حكماً غير الحكم، ودستوراً غير الدستور ونظاماً غير النظام. ولا أدري كيف نكون نحن إذا غلب دين واحد على دنيا مشتركة، وطبق دستور معين على حياة مختلفة؟)
فقلت له وقد وافقته على ما رأى من قوة الإخوان ونفاذ دعايتهم وبعد غايتهم: أنا أدري كيف تكونون. تكونون إذا ما أراد الله لحزبه أن يغلب، ولشرعه أن يحكم، ولنوره أن يتم، كما كنتم في عهد الخليفة عمر: لكم ما للمسلمين من حق، وعليكم ما عليهم من واجب. أما إذا كان قد وقع في عهود بعض الواغلين على الوادي حماقات أورثتكم هذه الوساوس، فإنما كان وقوعها ضلالاً في العقل لغيبة الهادي وشططاً في الحكم لعطلة الدستور. وما كان الهادي الذي أغفلوه غير دين الله، ولا كان الدستور الذي عطلوه غير كتابه والعقيدة يومئذ كانت في أكثر الناس إيمانا بالاسم وكفراناً بالفعل. وأنتم اليوم أقرب إلينا وأعز علينا مما كنتم أيام الوالي عمرو؛ لأن العلاقة بينكم وبين المسلمين كانت في القرن السابع علاقة فتح وجزية، فأصبحت في القرن العشرين علاقة وطن وجنس ولغة وأدب وثقافة وتاريخ. وما أظنك تماري في أن أكثر المصريين أقباط أسلموا وأنت لا تخشى صاحب الدين ما دام