معذرة من طول الفترة بين مقالي الأول - في هذا الموضوع
- ومقالي هذا؛ فان أعمال الامتحان في المدارس وشواغل
السفر من بغداد إلى القاهرة أمور لا يستقيم معها فكر ولا
يصفو فيها خاطر.
كلما فكرت في صمت الطبيعة المطبق تجاه الإنسان، وثبات السماء والأرض أمام حواسه، وعدم اكتراث الأشياء له، وعدم وجود ثغرة ينحدر منها إلى أفق آخر غير هذه المناظر الهائلة الثابتة. . اعترتني رهبة من وضع الإنسان هذا الوضع المغلق عليه فيه كل شيء! وأقامني الفكر بين العجز والتعب كما يقول المتنبي:
ومن تفكر في الدنيا ومهجته ... أقامه الفكر بين العجز والتعب
ولكني أفرض في بعض الأحيان أن الإنسان استطاع أن يرقى أسباب السماء بسلم، وأنه طار كالريح، وانتقل كالبرق، وصار الكون كله مَزْويّاً بين عينيه. فهل يفيده ذلك شيئاً في حل شيء؟ كلا! فيما أتخيل. . . لأن الذي ينتقل من متحف أعاجيب صغير إلى متحف أعاجيب كبير، لا يزيده ذلك إلا دهشة ورغبة في معرفة الأسباب!
وهبوا الإنسان حلل كل شيء في الطبيعة وركبه. . . فهل تذهب قدرته تلك من حيرته ودهشته في إدراك العلاقة بين فكره وبين الأشياء، وفي إدراكه نفسه وقدرتها؟ كلا! فيما أتخيل. . . فهو سوف لا يدرك من نفسه إلا أنه آلة خالقة تفعل الأعاجيب. فنحن مهما أدركنا ومهما فعلنا فسنظل حائرين في معرفة كيف ندرك وكيف نفعل ما نفعل. . . ويبقى وجود كل شيء بعد ذلك لغزاً مغلقاً كما هو!!. . .
ومن هذا المدخل أدخل إلى بحث (المعجزة الحسية)، التي هي أعظم عقبة يصطدم بها أكثر الباحثين المتشككين في طريقهم إلى الإيمان بالنبوة. لأنهم يرون في إيجادها خرقاً للناموس