نسيجُ الحياة النفسيَّة هو الزمان. والزمان - كما يقول برجسون - جِدَة مستمرة، وخلق جديد، وإبداعٌ لصور لم تكن موجودة من قبل، ولم يكن وجودها منتظراً. فليس الزمان الحقيقي عبارة عن لحظة تعقب لحظة أخرى، وإنما هو امتداد الماضي باستمرار. وهذا الطابع الذي يتصف به الزمان، يتمثل في الحياة النفسية بشكل واضح، فإن ماضينا يتعقَّبنا في كل لحظة من لحظات حياتنا. وليس من شك في أننا لا نفكر إلا بجزء صغير من ماضينا، ولكننا إنما نرغب ونريد ونعمل بهذا الماضي كله. (فكل ما فكرنا فيه، وما شعرنا به، وما أردناه منذ طفولتنا المبكّرة، لا يزال عالقاً بنفوسنا، متجهاً نحو الحاضر الذي يوشك أن يتصل به، ضاغطاً بقوة على باب الشعور الذي يريد أن يدعه خارجاً).
هذا هو جوهر الحياة النفسية، كما تكشف لنا عنه النظرة العميقة إلى النفس الإنسانية. فكل فرد منا إذن هو عبارة عن تاريخ؛ وهو عبارة عن تاريخ قائم بذاته مختلف عن غيره؛ وثراء هذا التاريخ هو الذي يدل على ثراء حياة صاحبه الباطنة، لا عدد السنين التي عاشها. وقد يبدو لنا أننا نسير مدفوعين بحكم الزمان الآلي - زمان الساعات - ولكننا في الحقيقة نتحرك وفقاً لإيقاع الحالات الباطنة، والحركات الداخلية، مما يقوم عليه الزمان النفسي.
فنحن لسنا عبارة عن ذرات من الغبار تطفو على سطح نهر، بل نحن قطرات من الزيت تنتشر على سطح الماء سائرة بسرعتها الخاصة.
ومعنى هذا أن جوهر حياتنا هو الزمان النفسي - لا الزمان الآلي - لأن شعورنا إنما يسجل حركته الخاصة، أي السياق الخاص الذي تتوالى وفْقاً له حالاتُه الباطنة، (وإن كان هذا تحت تأثير المنبه الخارجي الذي يَعرض له). وبعبارة أخرى فإن الزمان الباطن هو جوهر نفوسنا. ومن المؤكد أن لحظات الزمان الآلي إنما تهوى إلى العدم؛ أما لحظات الزمان النفسي فإنها لا تهوى إلى العدم مطلقاً، بل تنطبع في الشعور، وتنضاف إلى سجل الوعي الإنساني. فنحن نحمل معنا الطابع النفسي لكل أحداث حياتنا، لأننا خلاصة للحالات النفسية التي مرت بنا.